وتسابقت البقيّة الباقية من أصحاب الإمام من شيوخ وشباب وأطفال إلى ساحات المعركة ، وقد أبلوا بلاءً حسناً يقصر عنه كلّ وصف وإطراء ، وقد جاهدوا جهاداً لم يعرف التاريخ له نظيراً في جميع عمليّات الحروب التي جرت في الأرض ، فقد قابلوا على قلّة عددهم الجيوش المكثّفة ، وأنزلوا بها أفدح الخسائر ، ولم تضعف لأي رجل منهم عزيمة ، ولم تلن لهم قناة ، وقد خضّبوا جميعاً بالدماء ، وهم يشعرون الغبطة بالفخار .
وقد وقف الإمام العظيم على مصارعهم ، فكان يتأمّل بوجهه الوديع فيهم ، فيراهم مضمّخين بدم الشهادة ، فكان يقول : قَتْلَانا قَتْلَى النَّبِيِّينَ وَآلِ النَّبِيِّينَ (١) .
لقد سمت أرواحهم الطاهرة إلى الرفيق الأعلى ، وقد حازوا الفخر الذي لا فخر مثله ، فقد سجّلوا شرفاً لهذه الاُمّة لا يساويه شرف ، وأعطوا للإنسانيّة أفضل ما قُدّم لها من عطاء على امتداد التاريخ .
وعلى أي حال ، فقد شارك أبو الفضل العبّاس الأنصار الممجّدين في جهادهم ، وخاض معهم غمار الحرب ، وكانوا يستمدّون منه البسالة ، وقوّة الإرادة ، والعزم على التضحية ، وقد أنقذ بعضهم حينما وقع عليه التفاف من بعض قطعات الجيش الأموي .
وبعدما سقطت الصفوة الطيّبة من أصحاب الإمام عليهالسلام صرعى وهي معطّرة بدم الشهادة والكرامة ، هبّ أبناء الاُسرة النبويّة كالاُسود الضارية للدفاع عن ريحانة
__________________________
(١) بحار الأنوار : ٤٥ : ٨٠ . عوالم العلوم : ١٧ : ٣٤٧ .