وأقضّ الإمام الحسن عليهالسلام مضجع ابن هند ، وراح يطيل التفكير للتخلّص منه ، لأنّه قد شرط عليه في بنود الصلح أن ترجع إليه الخلافة بعد هلاكه ، واستعرض معاوية حاشية الإمام وخاصّته ليشتري ضمائرهم بأمواله لاغتيال الإمام ، فلم يقع نظره على أحد سوى الخائنة جعدة بنت الأشعث زوجة الإمام ، فهي من اُسرة لم تنجب شريفاً قطّ ، ولم يؤمن أي فرد منها بالقيم الإنسانيّة ، وأوعز معاوية إلى مروان بن الحكم عامله على يثرب فاتّصل بها ، وقدّم لها الأموال ، ومنّاها بزواج يزيد ، فاستجابت نفسها الخبيثة لاقتراف الجريمة ، فناولها سمّاً فاتكاً ، فأخذته ودسّته للإمام ، وكان صائماً ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، فالتفت إلى الخبيثة ، فقال لها : قَتَلْتيني قَتَلَكِ اللهُ ، وَاللهِ لَا تُصِيبينَ مِنّي خَلَفاً ، لَقَدْ غَرَّكَ ـ يعني معاوية ـ وَسَخِرَ مِنْكِ ، يُخْزيكِ اللهُ وَيُخْزيهِ » .
وأخذ سبط النبيّ صلىاللهعليهوآله وريحانته يعاني آلاماً قاسية من شدّة السمّ ، فقد تفاعل مع أجزاء بدنه ، وقد ذبلت نضارته ، واصفّر لونه ، وكان يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه ، حتّى ارتفعت روحه العظيمة إلى بارئها تحفّها ملائكة الرحمن وأرواح الأنبياء .
لقد وافاه الأجل المحتوم ، ونفسه العظيمة مترعة بالمصائب من ابن هند الذي جهد في ظلمه ، وصبّ عليه ألواناً قاسية من المحن والكوارث ، فسلب منه الخلافة ، وتتبّع شيعة أبيه قتلاً وسجناً ، وأسمعه سبّه وسبّ أبيه ، وأخيراً سقاه السمّ فقطّع أحشاءه .
وقام سيّد الشهداء عليهالسلام بتجهيز جثمان أخيه فغسّل جسده الطاهر ، وحمله المشيّعون ، وفي طليعتهم العلويّون ، وهم يذرفون أحرّ الدموع على فقيدهم