أي حقّ عرفه هذا الجلف الجافي ، وهو والأكثريّة الساحقة من المجتمع الذي عاش فيه قد غرقوا في الباطل والمنكر .
إنّ غاية ما يفخر به الوغد تماديه في خدمة ابن مرجانة الذي هو أقذر مخلوق عرفه التاريخ البشري ، وردّ عليه مسلم بمنطقه الفيّاض قائلاً : لاُمّك الثكل ، ما أجفاك وأفظّك ، وأقسى قلبك ، أنت يا بن باهلة أوْلى بالحميم والخلود في نار جهنّم منّي .
وكان عمارة بن عقبة حاضراً فاستحيا من جفوة الباهلي ولؤمه ، فدعا بماء بارد فصبّه في قدح ، وناوله إلى مسلم ، وكلّما أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً ، وفعل ذلك ثلاثاً ، فقال : لو كان لي الرزق المقسوم لشربته (١) .
وادخل قمر عدنان على ابن مرجانة ، فسلّم على الحاضرين ولم يسلّم عليه ، فأنكر عليه بعض صعاليك الكوفة قائلاً : هل تسلّم على الأمير ؟
فصاح به البطل العظيم محتقراً له ولأميره قائلاً : اسكت لا اُمّ لك ، والله ليس لي بأمير فاُسلّم عليه .
وتميّز الطاغية غيظاً فراح يقول : لا عليك ، سلّمت أم لم تسلّم فإنّك مقتول .
إنّ بضاعة هذا الطاغية هي القتل والدمار ، وهي محالاً تخيف الأحرار أمثال مسلم ممّن صنعوا تاريخ هذه الاُمّة ، وأقاموا كيانها الحضاري والفكري ، وجرت بين مسلم وبين ابن مرجانة كثير من المحاورات أثبت فيها مسلم صلابته وقوّة عزيمته ، وعدم انهياره أمام الطاغية ، وأثبت بشجاعته أنّه من أفذاذ التاريخ .
__________________________
(١) الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٧٣ .