إلى الشهادة لا إلى الملك والسلطان ، وأنّ من يلتحق به سيفوز برضا الله ، ولو كان الإمام من عشّاق السلطة لما أدلى بذلك ، وكتم الأمر لأنّه في أمسّ الحاجة إلى الناصر والمحامي عنه .
لقد كان الإمام عليهالسلام ينصح أصحابه وأهل بيته بالتخلّي عنه في كلّ موقف ، والسبب في ذلك أن يكونوا على بصيرة من أمرهم ، ولا يدّعي أحد منهم أنّه كان على غير علم بالأمر .
وسار موكب الإمام يطوي البيداء حتّى انتهى إلى ( شراف ) (١) وفيها عين ماء ، فأمر الإمام فتيانه بالاستقاء والاكثار منها ، ففعلوا ذلك ، وسارت القافلة ، فانبرى بعض أصحاب الإمام بالتكبير ، فاستغرب الإمام منه ، وقال له : اللهُ أَكْبَرُ ، لِمَ كَبَّرْتَ ؟!
ـ رأيت النخل .
وأنكر عليه رجل من أصحاب الإمام ممّن عرف الطريق ، فقال له : ليس هاهنا نخل ، ولكنّها أسنة الرماح ، وآذان الخيل .
وتأملها الإمام فطفق يقول : وَأَنا أَرَىٰ ذَلِكَ ، أي أسنّة الرماح وآذان الخيل ، وعرف الإمام أنّها طلائع الجيش الأموي جاءت لحربه ، فقال لأصحابه : أَما لَنا مَلْجَأٌ نَلْجَأُ إِلَيْهِ فَنَجْعَلُهُ فِي ظُهُورِنا ، ونَستَقْبِلُ القَوْمَ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ ؟
وكان بعض أصحابه عارفاً بسنن الطريق ، فقال له : بلى هذا ( ذو حُسَم ) (٢) إلى
__________________________
(١) شَرَاف ـ بفتح أوّله ـ : ماء بنجد بين واقصة والقرعاء . معجم البلدان : ٣ : ٣٧٥ .
(٢) حُسَم ـ بضمّ الحاء وفتح السين ـ : اسم موضع ، وقد ذكره لبيد في شعره :
لِيَبْكِ عَلَى النُّعْمَانِ شَرْبٌ وَقَينَةٌ |
|
وَمُخْبِطَاتٌ كَالسَّعَالِي أَرَامِلُ |
بِذِي حُسَمٍ قَدْ عُرِّيَتْ وَيَزِينُها |
|
دِمَاثُ فُلَيجٍ رَهْوها وَالمَحَافِلُ |
=