فحمل الأوغاد اللئام على مسلم ، وجعلوا يطعنونه برماحهم ، ويضربونه بسيوفهم ، وقد ضربه الوغد بكير بن حمران الأحمري ضربة منكرة على شفته العليا ، وأسرع السيف إلى السفلى ، وضربه مسلم ضربة أردته إلى الأرض .
وأعيى مسلماً نزيف الدم ، وقد اُثخن بالجراح ، فانهارت قواه ، ولم يتمكّن على المقاومة ، فوقع أسيراً بأيدي أُولئك الأقزام ، وتسابقوا إلى ابن مرجانة يحملون له البشرى بأسرهم للقائد العظيم الذي جاء ليقيم في بلادهم حكم القرآن ، ويحرّرهم من جور الأمويّين وظلمهم ، وطار ابن مرجانة فرحاً ، فقد ظفر بخصمه ، وتمّ له القضاء على الثورة ، وحُمل مسلم أسيراً إلى عبد الأمويّين وعميلهم ، وقد ازدحمت الجماهير التي بايعته وأعطته العهود والمواثيق ببيعته ، إلّا أنّهم خانوا بذلك ، وراحوا يقاتلونه .
وانتهي بمسلم إلى قصر الإمارة ، وقد أخذ العطش منه مأخذاً عظيماً ، فرأى جرّة فيها ماء بارد ، فالتفت إلى من حوله ، فقال لهم : اسقوني من هذا الماء .
فانبرى له اللئيم الدنس عميل الأمويّين مسلم بن عمرو الباهلي ، فقال له : أتراها ما أبردها ، والله لا تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم .
ودلّت هذه البادرة وغيرها ممّا صدر من هؤلاء الممسوخين على تجرّدهم من جميع القيم الإنسانيّة .
ومن المؤكّد أنّ هذا هو السمت البارز من أخلاق السفلة الساقطين من قتلة الأنبياء والمصلحين ، وبهر مسلم من هذا الإنسان الممسوخ ، فقال له : مَن أنت ؟
فأجابه الباهلي بأنّه من خدّام السلطة وأذنابها قائلاً : أنا من عرف الحقّ إذ تركته ، ونصح الاُمّة والإمام إذ غششته ، وسمع وأطاع إذ عصيته ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي .