والأشراف انبرى إليه ليخدعه قائلاً : إنّك لا تكذب ، ولا تنخدع ، إنّ القوم بنو عمّك وليسوا بقاتليك ، ولا ضارّيك (١) .
فلم يحفل مسلم بأكاذيب ابن الأشعث ، وراح يقاتلهم أعنف القتال وأشدّه ، ففرّوا منهزمين من بين يديه ، وهو يحصد رؤوسهم ، وجعلوا يرمونه بالحجارة ، فأنكر عليهم مسلم ذلك وصاح بهم : ويلكم ! ما لكم ترمونني بالحجارة كما تُرمى الكفّار وأنا من أهل بيت الأبرار ، ويلكم ! أما ترعون حقّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذرّيّته .
إنّ هؤلاء الأجلاف قد فقدوا جميع القيم والأعراف ، فلم يرعوا أيّة حرمة لرسول الله صلىاللهعليهوآله الذي حرّرهم من حياة التيه في الصحراء ، وأقام لهم حضارة لم تعهدها الاُمم والشعوب ، فكان جزاؤه منهم أن عدوا على أبنائه وذرّيّته فأوسعوهم قتلاً وتنكيلاً .
وعلى أي حال ، فإنّ جيوش ابن زياد لم تستطع مقاومة البطل العظيم وبان عليهم الانكسار ، وضاق بابن الأشعث أمره ، فدنا من مسلم ورفع عقيرته قائلاً : يا بن عقيل ، لا تقتل نفسك ، أنت آمن ، ودمك في عنقي .
ولم يعن مسلم بأمان ابن الأشعث لعلمه أنّه من اُسرة خبيثة لا تعرف أي معنى من معاني النبل والوفاء ، فردّ عليه قائلاً : يا بن الأشعث ، لا اُعطي بيدي أبداً ، وأنا أقدر على القتال ، والله لا كان ذلك أبداً .
وحمل عليه مسلم ففرّ الجبان منهزماً يلهث كالكلب ، وأخذ العطش القاسي من مسلم مأخذاً عظيماً ، فجعل يقول : اللّهمّ إنّ العطش قد بلغ منّي .
وتكاثرت الجنود على مسلم ، وقد استولى عليهم الرعب والخوف ، وصاح بهم ابن الأشعث : إنّ هذا هو العار والفشل أن تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع ، احملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة .
__________________________
(١) الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٧٣ .