بيوتهم ، وممّا لا ريب فيه أنّ الحرب لو كانت في البيداء لأتى عليهم مسلم ، ولكنّها كانت في الأزقّة والشوارع ، ومع ذلك فقد فشلت جيوش أنذال أهل الكوفة ، وعجزت عن مقاومة البطل العظيم ، فقد أشاع فيه القتل والدمار ، وأسرع ابن الأشعث بالطلب إلى سيّده ابن مرجانة ليمدّه بالخيل والرجال ، لأنّه لا يقوى على مقاومة هذا البطل العظيم ، وبهر الطاغية ، وأخذ يندّد بقيادة ابن الأشعث قائلاً : سبحان الله ! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به ، فثلم في أصحابك هذه الثلمة العظيمة .
وثقل على ابن الأشعث هذا التقريع ، فراح يشيد ببطولات ابن عقيل قائلاً :
أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة ، أو جرمقاني من جرامقة الحيرة ، وإنّما بعثتني إلى أسد ضرغام ، وسيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام .
وأمدّه ابن زياد بقوّة مكثّفة من الجيش ، فجعل بطل الإسلام وفخر عدنان يقاتلهم أشدّ القتال وأعنفه وهو يرتجز :
أَقْسَمْتُ لا أُقْتَلُ إلَّا حُرَّا |
|
وَإِنْ رَأَيْتُ المَوتَ شَيئاً نُكْرَا |
كُلُّ امرِئٍ يَومَاً مُلَاقٍ شَرَّا |
|
أَو يُخلَطُ البَارِدُ سُخْنَاً مُرّا |
رُدَّ شِعاعُ الشَّمسِ فاستَقَرّا |
|
أَخافُ أَنْ أُكذَبَ أَوْ أُغَرَّا (١) |
أمّا أنت يا بن عقيل فكنت سيّد الاُباة والأحرار ، فقد رفعت لواء العزّة والكرامة ، ورفعت شعار الحريّة ، وأمّا خصومك فهم العبيد الذي رضوا بالذلّ والهوان ، وخضعوا للعبوديّة والذلّ ، لقد أردت أن تحرّرهم ، وتعيد لهم الحياة الحرّة الكريمة ، فأبوا ذلك ، وعدوا عليك يقاتلونك ، وقد فقدوا بذلك إنسانيّتهم ، ومقوّمات حياتهم .
ولمّا سمع ابن الأشعث رجز مسلم الذي أقسم فيه على أن يموت ميتة الأحرار
__________________________
(١) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٢٨٠ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٧٣ .