جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فان سبقت إليه فهو كما تريد (١) .
ومال موكب الإمام إليه ، فلم يبعد كثيراً حتّى أدركه جيش مكثّف بقيادة الحرّ ابن يزيد الرياحي ، قد عهد إليه ابن مرجانة أن يجوب في صحراء الجزيرة للتفتيش عن الإمام وإلقاء القبض عليه ، وكان عدد ذلك الجيش فيما يقول المؤرّخون زهاء ألف فارس ، ووقفوا قبال الإمام في وقت الظهر ، وقد أشرفوا على الهلاك من شدّة الظمأ ، فرقّ عليهم الإمام ، فأمر أصحابه أن يسقوهم الماء ، ويرشفوا خيولهم ، وسارع أصحابه فسقوا الجيش المعادي لهم عن آخره ، ثمّ انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملأون القصاص والطساس ، فإذا عبّ الفرس فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت ، وسقى الآخر حتّى سقوها عن آخرها (٢) .
لقد تكرّم الإمام عليهالسلام على أُولئك الوحوش الأنذال الذين جاءوا لحربه فأنقذهم من الظمأ القاتل ، ولم تهزّهم هذه الأريحيّة وهذا النبل ، فقابلوه بالعكس ، فمنعوا الماء عنه ، وعن أطفاله ، حتى تفتّت قلوبهم من الظمأ .
وخطب الإمام عليهالسلام خطاباً بليغاً في قطعات ذلك الجيش ، فأوضح لهم أنّه لم يأتهم محارباً ، وإنّما جاءهم محرّراً ومنقذاً لهم من جور الأمويّين وظلمهم ، وقد توافدت عليه وفودهم وكتبهم تحثّه بالقدوم لمصرهم ليقيم دولة القرآن والإسلام ، وهذه فقرات من خطابه الشريف :
__________________________
= معجم البلدان : ٢ : ٢٥٨ . وفي بعض المصادر : ( ذو جشم ) ، ( ذو حُسمَىٰ ) .
(١) الإرشاد : ٢ : ٧٦ و ٧٧ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٨٠ .
(٢) الإرشاد : ٢ : ٧٧ و ٧٨ . الأخبار الطوال : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٠٣ . الخطط المقريزية : ١ : ٤٢٩ .