أَيُّها النّاسُ ، إِنَّها مَعْذِرَةٌ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَيْكُمْ ، إِنِّي لَمْ آتِكُمْ حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ بِها عَلَيَّ رُسُلُكُمْ أَنْ أقْدِمْ عَلَيْنا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَنَا إِمَامٌ ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يَجْمَعَنا بِكَ عَلَى الهُدَىٰ ، فَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ ذَلِكَ فَقَدْ جِئْتُكُمْ ، فَإِنْ تُعْطُونِي مَا أَطْمَئِنَّ بِهِ مِنْ عُهُودِكُمْ وِمِواثِيقِكُمْ أَقْدِمُ مِصْرَكُمْ ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وكُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كارِهِينَ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ إِلَى الْمَكانِ الَّذِي أَقْبَلْتُ مِنْهُ إِلَيكُمْ .
وأحجموا عن الجواب لأنّ أكثرهم ممّن كاتبوه وبايعوه على يد سفيره العظيم مسلم بن عقيل .
وحضر وقت صلاة الظهر ، فأمر الإمام مؤذّنه الحجّاج بن مسروق أن يؤذّن ويقيم للصلاة ، وبعد فراغه منها التفت الإمام إلى الحرّ ، فقال له : أَتُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ بِأَصْحابِكَ ؟
فقال الحرّ بأدب : « بلى نصلّي بصلاتك .
وائتمّ الجيش بريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وبعد الفراغ من الصلاة انصرفوا إلى أخبيتهم ، ولمّا حضر وقت صلاة العصر جاء الحرّ مع قومه فاقتدوا بالإمام في الصلاة ، وبعد الانتهاء منها خطب الإمام الحسين عليهالسلام خطاباً رائعاً ، فقد قال ـ بعد حمد الله والثناء عليه ـ :
أَمّا بَعْدُ أَيُّها النَاسُ ، إِنَّكُمْ إِنْ تَتَّقُوا اللهَ ، وَتَعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ يَكُنْ أَرْضَىٰ للهِ عَنْكُمْ ، ونَحنُ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَأَوْلىٰ بِوِلَايَةِ هٰذَا الْأَمْرِ عَلَيْكُمْ مِنْ هٰؤُلَاءِ الْمُدَّعينَ ما لَيْسَ لَهُمْ ، وَالسّائِرينَ فِيكُمْ بِالْجَوْرِ وَالْعُدْوانِ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا كَراهِيَةً لَنا ، وَالْجَهْلَ بِحَقِّنا ، فَكانَ رَأْيُكُمُ الْآنَ عَلَىٰ غَيرِ ما أَتَتْنِي بِهِ كُتُبُكُمْ ، وَقَدِمَتْ بِهِ عَلَىَّ رُسُلُكُمُ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ (١) .
لقد دعاهم إلى تقوى الله ، ومعرفة أهل الحقّ ، ودعاة العدل فإنّ في ذلك رضاً لله
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٧٩ و ٨٠ . اللهوف : ٤٧ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٨١ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٠٤ . الفتوح : ٥ : ٧٨ .