الانتهازي القذر عمرو بن الحجّاج ، وهو من أذناب السلطة ومن أحقر عملائها ، وقد رفع عقيرته ليسمعه ابن زياد قائلاً : أنا عمرو بن الحجّاج ، وهذه فرسان مذحج ، ووجوهها لم نخلع طاعة ، ولم نفارق جماعة .
وحفل كلامه بالخنوع والمسالمة للسلطة ، وليس فيه أي اندفاع لإنقاذ هانئ ، وإنّما فيه التأييد والدعم لابن زياد ، ولذا لم يكترث به ، وأوعز إلى شريح القاضي ، وهو من وعّاظ السلاطين ، ومن دعائم الحكم الأموي ، فأمره أن يدخل على هانئ ويخرج لهم ، ويخبرهم بأنّه حيّ سالم ، وأنّه يأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ، ودخل على هانئ ، فلمّا بصر به صاح مستجيراً : يا للمسلمين أهلكت عشيرتي ! أين أهل الدين ؟ أين أهل المصر أيخلّوني وعدوّهم ؟
والتفت إلى شريح وقد سمع أصوات اُسرته قائلاً : يا شريح ، إنّي لأظنّها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين ، إنّه إن دخل علَيَّ عشرة نفر أنقذوني .
وخرج شريح الذي باع آخرته وضميره على ابن مرجانة ، فقال لمذحج : نظرت إلى صاحبكم ، إنّه حيّ لم يقتل .
وبادر ابن الحجّاج عميل الأمويّين وخادمهم فرفع صوته لتسمعه مذحج قائلاً : إذا لم يقتل فالحمد لله .
وولّت قبائل مذحج منهزمة كأنّما اُتيح لها الخلاص من سجن ، وقد صحبت معها الخيانة والخزي ، ومن المؤكّد أنّ هزيمة مذحج بهذه السرعة كانت نتيجة اتّفاق سرّي بين زعمائها وبين ابن مرجانة للقضاء على هانئ ، ولولا ذلك لهجمت على السجن وأخرجته .
لقد تنكّرت مذحج لزعيمها الكبير الذي كان محسناً إليها ، فلم تف بحقوقه ، وتركته أسيراً بيد الارهابي ابن مرجانة ، وهو يمعن في إذلاله وقهره ، في حين أنّ مذحج كانت لهم السيادة على الكوفة .