وهو يعلم أنّه خرج لقتال ذرّيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله الذين هم خيرة مَن في الأرض ، وانتهى الجيش إلى كربلاء فانضمّ إلى الجيش الرابض هناك بقيادة الحرّ بن يزيد الرياحي .
وأمر الطاغية بجمع الناس في رحاب المسجد الأعظم ، فهرعوا كالأغنام خوفاً من ابن مرجانة ، وقد امتلأ الجامع منهم ، فقام خطيباً ، فقال : أيّها الناس ، إنّكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبّون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد ، قد عرفتموه حَسَن السيرة محمود الطريقة محسناً إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقّه ، وقد أمنت السبل علىٰ عهده ، وكذلك كان أبوه معاوية في عصره ، وهذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد ، ويغنيهم بالأموال ويكرمهم ، وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أُوفرها عليكم ، وأُخرجكم إلى حرب عدوه الحسين فاسمعوا له وأطيعوا (١) .
لقد خاطبهم باللغة التي يفهمونها ويتهالكون عليها ، ويقدّمون أرواحهم بسخاء في سبيلها ، وهي المادّة التي هاموا بحبّها ، وقد أجابوه إلى ما أراد فزجّهم لاقتراف أفظع جريمة في تأريخ البشريّة .
وأسند القيادة في بعض قطعات جيشه إلى كلّ من الحصين بن نمير ، وحجّار بن أبجر ، وشمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وغيرهم ، وقد زحفوا بمن معهم إلى كربلاء لمساعدة ابن سعد .
وقامت العصابة المجرمة التي تحمل شرور أهل الأرض وخبثهم باحتلال الفرات ، ولم تبق شريعة أو منفذ إلّا وقد وضع عليها الحرس ، وقد صدرت إليهم
__________________________
(١) بحار الأنوار : ٤٤ : ٣٨٥ . الفتوح : ٥ : ٨٩ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٨٦ و ٣٨٧ .