فقد قابلوه بالعكس ، فمنعوا الماء عن أبنائه في كربلاء حتّى صرعهم الظمأ ، وأذاب العطش قلوبهم .
وكره الإمام أشدّ الكره الحرب وإراقة الدماء ، فدعا إلى السلم والوئام ، فقد أرسل عدّة وفود إلى ابن هند يدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المسلمون ، وأن يجنّبهم من الحرب ، فأبى ولم يستجب لهذه الدعوة الكريمة ، وأصرّ على الغيّ والعدوان ، وتذرّع كذباً بالمطالبة بدم عثمان الذي ما اُريق إلّا بسبب تصرّفاته السيّاسيّة والإداريّة .
ولمّا فشلت جميع الجهود التي بذلها الإمام من أجل السلم وحقن الدماء اضطّر إلى أن يفتح مع عدوّه باب الحرب ، وقد خاض معه حرباً مدمّرة سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى ، فضلاً عن المعوّقين من كلا الجانبين ، واستمرّت الحرب أكثر من سنتين كانت تشتدّ حيناً ، وتفتر حيناً آخر ، وفي المرحلة الأخيرة من الحرب كاد الإمام أن يكسب المعركة وتحسم صالحه ، فقد بان الانكسار في جيش معاوية ، وتفلّلت جميع قواعد عسكره ، وعزم معاوية على الهزيمة لولا أن تذكّر قول ابن الاطنابة :
أَبَتْ لِي عِفّتي وَحَياءُ نَفْسي |
|
وإقدامي عَلى البطلِ المُشيحِ |
وإِعطائي عَلى المَكْروهِ مالي |
|
وَأَخْذي الحَمدَ بالثَّمَنِ الرَّبيحِ |
وقَولي كُلَّما جَشَأَتْ وَجاشَتْ |
|
مَكانَكِ تُحمَدِي أَوْ تَسْتَريحي (١) |
__________________________
(١) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ١٧ . الكامل في التاريخ : ١ : ٦٦٨ .