بقي الإمام الممتحن في أرباض الكوفة قد أحاطت به المحن والأزمات يتبع بعضها بعضاً ، يرى باطل معاوية قد استحكم ، وشرّه قد استفحل ، وهو لا يتمكّن أن يقوم بأي عمل لتغيير الأوضاع الاجتماعيّة المتدهورة المنذرة باُفول دولة الحقّ ، وإقامة حكومة الظلم والجور .
لقد استوعبت المحن الشاقّة التي أحاطت بالإمام نفسه الشريفة ، فراح يدعو الله ، ويتوسّل إليه بحرارة أن ينقله إلى جواره ، ويريحه من هذا العالم المليء بالفتن والأباطيل ، واستجاب الله دعاء الإمام فقد عقدت عصابة مجرمة من الخوارج مؤتمراً في مكّة ، وأخذوا يذكرون بمزيد من الأسى والحزن قتلاهم الذين حصدت رؤوسهم سيوف الحق في النهروان ، وعرضوا ما مني به العالم الإسلامي من الفتن والانشقاق ، وألقوا تبعة ذلك حسب زعمهم على الإمام أمير المؤمنين ومعاوية وعمرو بن العاص ، فقرّروا القيام باغتيالهم ، وعيّنوا لذلك وقتاً خاصّاً .
ومن الجدير بالذكر أنّ مؤتمرهم كان بمرأى ومسمع من السلطة المحليّة بمكّة ، وأكبر الظنّ أنّها كانت على اتّصال معهم ، وأنّ القوى المنحرفة عن الإمام قد أمدّت ابن ملجم بالمال ليقوم باغتيال الإمام .
وعلى أي حال ، فقد قفل ابن ملجم راجعاً إلى الكوفة وهو يحمل شرّ أهل الأرض ، ويحمل الكوارث المدمّرة للمسلمين ، وفور وصوله إلى الكوفة اتّصل بعميل الأمويّين المنافق الأشعث بن قيس ، وأخبره بمهمّته ، فشجّعه على اقتراف الجريمة ، وأبدى له تقديم جميع ألوان المساعدات لتنفيذها .
وفي ليلة التاسع عشر
من رمضان شهر الله المبارك اتّجه زعيم الموحّدين وسيّد المتّقين نحو مسجد الكوفة ليؤدّي صلاة الصبح ، فأقبل نحو الله فشرع في صلاته ، ولمّا رفع رأسه من السجود علاه ابن اليهوديّة بالسيف ، فشقّ رأسه الشريف الذي كان