لقد جاهد العبّاس ببسالة دفاعاً عن الدين ، وحماية لمبادئ الإسلام التي تعرّضت للخطر الماحق أيّام الحكم الأموي ، ولم يبغ بذلك إلّا وجه الله والدار الآخرة .
وصفة اُخرى من أسمى صفات أبي الفضل عليهالسلام ، وهي الإباء وعزّة النفس ، فقد أبي أن يعيش ذليلاً في ظلّ الحكم الأموي الذي اتّخذ مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، فاندفع إلى ساحات الجهاد كما اندفع أخوه أبو الأحرار الذي رفع شعار العزّة والكرامة ، وأعلن أنّ الموت تحت ظلال الأسنّة سعادة ، والحياة مع الظالمين برماً .
لقد مثّل أبو الفضل عليهالسلام يوم الطفّ الإباء بجميع رحابه ومفاهيمه ، فقد منّاه الأمويّون بإمارة الجيش ، وإسناد القيادة العامّة له إن تخلّى عن أخيه سيّد شباب أهل الجنّة ، فهزأ منهم ، وجعل إمارة جيشهم تحت قدمه ، واندفع بشوق وإخلاص إلى ميادين الحرب يجندل الأبطال ، ويحصد الرؤوس دفاعاً عن حرّيّته ودينه وكرامته .
ومن خصائص أبي الفضل عليهالسلام ومميّزاته : الصبر على محن الزمان ، ونوائب الدهر ، فقد ألمّت به يوم الطفّ من المصائب والمحن التي تذوب من هولها الجبال ، فلم يجزع ، ولم يفه بأيّ كلمة تدلّ على سخطه ، وعدم رضاه بما جرى عليه وعلى أهل بيته ، وإنّما سلّم أمره إلى الخالق العظيم ، مقتدياً بأخيه سيّد الشهداء عليهالسلام الذي لو وزن صبره بالجبال الرواسي لرجح عليها .
لقد رأى أبو الفضل
الكواكب المشرقة ، والممجّدين الأوفياء من أصحابه وهم مجّزرون كالأضاحي في رمضاء كربلاء تصهرهم الشمس ، وسمع عويل الأطفال ، وهم ينادون العطش العطش ، وسمع صراخ عقائل الوحي وهنّ يندبن الشهداء ، ورأى وحدة أخيه الحسين عليهالسلام ، وقد أحاط به أنذال أهل الكوفة يبغون
قتله تقرّباً