الإنسان من القيم الكريمة .
وعلى أي حال ، فقد قضى سليل هاشم ليله حزيناً قلقاً مضطرباً ، وقد خلص في معظم الليل إلى العبادة ما بين الصلاة وقراءة القرآن ، فقد أيقن أنّ تلك الليلة هي آخر أيّام حياته ، وقد خفق في بعض الليل فرأى عمّه الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام في منامه ، فأخبره بسرعة اللحاق به ، فعند ذلك أيقن بدنوّ الأجل المحتوم منه .
ولمّا انبثق نور الصبح بادر بلال إلى قصر الإمارة ليخبر السلطة بمكان مسلم عنده ، وكان الخبيث بحالة من الدهشة تلفت النظر ، فقصد عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ، وهو من الاُسرة الانتهازيّة الخبيثة التي طلّقت الشرف والمعروف ثلاثاً ، فأسرّه بالأمر ، فأمره بالسكوت لئلّا يسمعه غيره فيخبر ابن زياد فينال منه الجائزة ، وأسرع عبد الرحمن إلى أبيه محمّد فأخبره بالأمر الخطير ، وبدت سحنات الفرح والسرور على وجهه ، وفطن ابن مرجانة إلى أنّ هناك أمراً عظيماً يخصّ السلطة فبادر قائلاً : ما قال لك عبد الرحمن ؟
فقال ـ وقد ملأ الفرح إهابه ـ : أصلح الله الأمير ، البشارة العظمى .
ـ ما ذاك ؟ مثلك من بشّر بخير .
ـ إنّ ابني هذا يخبرني أنّ مسلماً في دار طوعة .
وطار ابن زياد من الفرح والسرور ، فقد تمّت بوارق آماله وأحلامه ، فقد ظفر بسليل هاشم ليقدّمه قرباناً لأمويّته اللصيقة ، وأخذ يمنّي ابن الأشعث بالمال والجاه المزيّف ، قائلاً له : قم فأتني به ، ولك ما أردت من الجائزة والحظّ الأوفى .
وسال لعاب ابن الأشعث فاندفع وراء أطماعه الدنيئة لإلقاء القبض على مسلم .