واعتلى البطل العظيم أعواد المنبر ، ورفع صوته صوت الحقّ الهادر قائلاً : أيّها الناس أنا رسول الحسين بن فاطمة ، لتنصروه وتؤازروه على ابن مرجانة الدعيّ ابن الدعي .
واسترسل في خطابه الثوري ، وقد دعا فيه إلى نصرة ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله والذبّ عنه ، ومناهضة الحكم الأموي الذي عمد إلى إذلال الإنسان المسلم ، وسلب حريّته وإرادته ، وانتفخت أوداج ابن مرجانة ، وورم أنفه ، فأمر بإلقاء هذا العملاق من أعلى القصر ، فأخذته الشرطة ورمته من أعلى القصر فتكسّرت عظامه ، وبقي به رمق من الحياة ، فأسرع إليه الخبيث عبد الملك اللخمي فذبحه ليتقرّب إلى سيّده ابن مرجانة (١) .
ولمّا علم أبو الأحرار بمصرع عبد الله شقّ عليه ذلك ، ويئس من الحياة ، وعلم أنّه يسير نحو الموت ، وأمر بجمع أصحابه ، والذين اتّبعوه طلباً للعافية لا للحقّ ، ليعلمهم بما آل إليه أمره من تخاذل الناس عنه ، وانصرافهم إلى بني اُميّة قائلاً :
بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ
« أَمّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ قَدْ أَتَانَا خَبَرٌ فَظِيعٌ قُتِلَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ ، وَهَانِئُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَعَبدُ اللهِ بْنُ يَقْطُرٍ ، وَقَدْ خَذَلَنا شِيعَتُنا ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ الْإِنْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ عَلَيْهِ وَلَا ذِمامٌ » (٢) .
وتفرّق ذوو الأطماع الذين اتّبعوه من أجل الغنيمة والظفر ببعض مناصب الدولة ، وخلص إليه الصفوة الكريمة من أصحابه الممجّدين الذين اتّبعوه على بصيرة من أمرهم وليست عندهم أيّة أطماع .
لقد صارح الإمام أصحابه بالواقع في تلك المرحلة الحاسمة ، فأعلمهم أنّه ماضٍ
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٧١ . أنساب الأشراف : ٣ : ٣٧٩ . تاريخ الاُمم والملوك ٤ : ٣٠١ .
(٢) الإرشاد : ٢ : ٧٥ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٠١ .