أَعْتَذِرَ إِلَيْكُمْ مِنْ مَقْدَمِي عَلَيْكُمْ ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ عُذْرِي ، وَصَدَّقْتُمْ قَوْلِي ، وَأَعْطَيتُمُونِيَ النَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ عَلَيَّ سَبِيلٌ ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوا مِنِّيَ الْعُذْرَ وَلَمْ تُعْطُوا النَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ( فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ) (١) ، ( إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ) (٢) » .
وحمل الأثير هذه الكلمات إلى السيّدات من عقائل النبوّة ، ومخدّرات الرسالة ، فتصارخن بالبكاء ، فبعث إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً ، وقال لهما : « سَكِّتاهُنَّ فَلَعَمْرِي لَيَكْثُرُ بُكاؤُهُنَّ » (٣) .
ولمّا سكتن استرسل في خطابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله وعلى الملائكة والأنبياء ، وقال في ذلك ما لا يحصى ذكره ، ولم يسمع لا قبله ولا بعده أبلغ منه في منطقه .
وكان ممّا قاله : الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الدُّنْيا فَجَعَلَها دَارَ فَناءٍ وَزَوَالٍ ، مُتَصَرِّفَةً بِأَهْلِها حالاً بَعْدَ حالٍ ، فَالْمَغرُورُ مَنْ غَرَّتْهُ ، وَالشَّقِيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ هٰذِهِ الدُّنْيا فَإِنَّها تَقْطَعُ رَجَاءَ مَنْ رَكَنَ إِلَيها ، وَتُخيِّبُ طَمَعَ مَن طَمِعَ فِيْها ، وَأَرَاكُمُ قَدْ اجْتَمَعْتُم عَلَىٰ أَمْرٍ قَدِ أَسْخَطْتُمُ اللهَ فِيْهِ عَلَيْكُمْ ، وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَنْكُمْ ، وَأَحَلَّ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ، فَنِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنا ، وَبِئْسَ الْعَبِيدُ أَنْتُم ، أَقْرَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ ، وَآمَنْتُمْ بِالرَّسُولِ صلىاللهعليهوآله ثُمَّ إِنَّكُمْ زَحَفْتُمْ إِلَىٰ ذُرِيَّتِهِ وَعِتْرَتِهِ تُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ .
لَقَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العَظِيمِ ، فَتَبّاً لَكُمْ وَلِمَا تُرِيدُونَ ، إِنّا للهِ
__________________________
(١) يونس عليهالسلام ١٠ : ٧١ .
(٢) الأعراف ٧ : ١٩٦ .
(٣) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٢٢ . الإرشاد : ٢ : ٩٧ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٧ .