وأنكر اُولئك الخونة كتبهم ، وما عاهدوا عليه الله من نصرهم للإمام ، فقالوا له : لم نفعل ذلك .
وتعجّب الإمام من ذلك وراح يقول : سُبْحانَ اللهِ ! بَلَىٰ وَاللهِ لَقَدْ فَعَلْتُمْ .
وأعرض الإمام عنهم ، ووجّه خطابه إلى جميع قطعات الجيش قائلاً : أَيُّها النّاسُ ، إِذا كَرِهْتُمُونِي فَدَعُونِي أَنْصَرِفْ عَنْكُمْ إِلىٰ مَأْمَنِي مِنَ الْأَرْضِ .
وتصدّى لجوابه قيس بن الأشعث ، وهو من رؤوس المنافقين ، وقد خلع كلّ شرف وحياء فقال له : أوَلا تنزل علىٰ حكم بني عمّك ؟ فإنّهم لن يروك إلّا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه .
فردّ عليه الإمام قائلاً : أَنْتَ أَخُو أَخِيكَ ، أَتُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَكَ بَنُو هاشِمٍ بِأَكْثَرَ مِنْ دَمِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ ؟! لَا وَاللهِ لَا أُعْطِيهِمْ بِيَدِي إِعْطاءَ الذَّلِيلِ وَلَا أَفِرُّ فِرارَ الْعَبيدِ .
عِبادَ اللهِ ، إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ ، أَعوُذُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكبّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (١) .
ومثّلت هذه الكلمات عزّة الأحرار وشرف الاُباة ، ولم تنفذ إلى قلوب أُولئك الجفاة الذين غرقوا في الجهل والآثام .
وتكلّم أصحاب الإمام مع معسكر ابن زياد ، وأقاموا عليهم الحجّة ، وذكّروهم بجور الأمويّين ، وما أنزلوه بهم من الجور والاستبداد ، ولم تُجدِ معهم النصائح شيئاً ، وراحوا يفخرون بنصرتهم لابن مرجانة وقتالهم لريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٩٧ و ٩٨ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٢٣ و ٣٢٤ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ١ : ٢٥٣ و ٢٥٤ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٧ و ٢٨٨ . البداية والنهاية : ٨ : ١٨٠ و ١٨١ .