وكان خليقاً بهذا الخطاب المشرق أن يرجع لهم حوازب عقولهم ، ويردّهم عن طغيانهم ، فقد وضع الإمام النقاط على الحروف ، ودعاهم إلى التأمّل ولو قليلاً ليمعنوا في شأنه ، أليس هو حفيد نبيّهم وابن وصيّه ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة كما أعلن ذلك جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله ، وفي ذلك حصانة له من سفك دمه وانتهاك حرمته ، ولكن الجيش الأموي لم يع هذا المنطق ، فقد خلد إلى الجريمة ، واسودّت ضمائرهم ، وحيل بينهم وبين ذكر الله .
وتصدّى لجواب الإمام شمر بن ذي الجوشن ، وهو من الممسوخين ، فقال له : هو يعبد الله علىٰ حرف إن كان يدري ما تقول ؟!
وحقّاً إنّه لم يع ما يقول الإمام ، فقد ران على قلبه الباطل ، وغرق في الإثم ، وقد أجابه حبيب بن مظاهر وهو من أعلام الهدى والصلاح ، فقال له : والله إنّي أراك تعبد الله على سبعين حرفاً ، وأنا أشهد أنّك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك .
والتفت الإمام إلى قطعات الجيش فخاطبهم :
فَإِنْ كُنْتُم فِي شَكٍّ مِنْ هٰذَا الْقَوْلِ ، أَفَتَشُكُّونَ أَنِّي ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ ؟! فَوَاللهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ابْنُ بِنْتِ نَبِيٍّ غَيْرِي فِيكُمْ وَلَا فِي غَيْرِكُمْ ، وَيْحَكُمْ أَتَطْلُبُونَنِي بِقَتِيلٍ مِنْكُمْ قَتَلْتُهُ ، أَوْ مالٍ لَكُمُ اسْتَهْلَكْتُهُ أَوْ بِقَصاصِ جِرَاحَةٍ .
وغدوا حيارى لا يملكون جواباً لردّه ، ثمّ التفت الإمام إلى قادة الجيش الذين دعوه بالقدوم إلى مصرهم ، فقال لهم : يا شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ ، وَيا حَجّارَ بْنَ أَبْجُرَ ، وَيا قَيْسَ بْنَ الْأَشْعَثِ ، وَيا يَزِيدَ ابْنَ الْحارِثِ ، أَلَمْ تَكْتُبُوا إِلَيَّ : أَنْ قَدْ أَيْنَعَتِ الثِّمارُ وَاخْضَرَّ الْجَنابُ وَطُمَّتْ الْجِمامُ ، وَإِنَّما تَقْدِمُ عَلَىٰ جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ ، فَأَقْبِلْ ؟!
__________________________
= الخوارزمي : ١ : ٢٥٣ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٧ . ينابيع المودّة : ٣ : ٦٥ .