فأحاطه الإمام علماً بما عزمت عليه السلطة من اغتياله قائلاً : لَوْ لَمْ أَعْجَلْ لَأُخِذْتُ (١) .
وسارع الإمام قائلاً : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ يا أَبا فِرَاسٍ ؟
ـ من الكوفة .
أَخْبِرْنِي عَنِ النَّاسِ خَلْفَكَ ؟
كشف الفرزدق للإمام بوعي وصدق الحالة الراهنة في الكوفة ، وأنّها لا تبشّر بخير ، ولا تدعو إلى التفاؤل قائلاً : على الخبير سقطت ، قلوب الناس معك ، وسيوفهم مع بني اُميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء . . وربّنا كلّ يوم هو في شأن .
واستصوب الإمام حديث الفرزدق ، وأخبره عن عزمه الجبّار وإرادته الصلبة ، وأنّه ماضٍ قدماً في جهاده ، وذبّه عن حرمة الإسلام ، فإن نال ما يرومه فذاك ، وإلّا فالشهادة في سبيل الله قائلاً له :
« صَدَقْتَ ، لِلهِ الْأَمرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ ، وكُلُّ يَوْمٍ رَبُّنا فِي شَأْنٍ ، إِنْ نَزَلَ القَضاءُ بِما نُحِبُّ فَنَحْمَدُ اللهَ عَلَىٰ نَعْمائِهِ ، وَهُوَ الْمُستَعانُ عَلَىٰ أَدَاءِ الشُّكْرِ ، وَإنْ حالَ القَضاءُ دُونَ الرَّجاءِ فَلَمْ يَتَعَدَّ مَنْ كانَ الْحَقُّ نِيَّتَهُ وَالتَّقْوَىٰ سَرِيرَتَهُ » (٢) .
وأنشأ الإمام هذه الأبيات :
لَئِنْ كانَتِ الدُّنْيا تُعَدُّ نَفِيسَةً |
|
فَإِنَّ ثَوَابَ اللهِ أَعْلَىٰ وأنبَلُ |
وَإِنْ كانَتْ الأَبْدانُ لِلمَوْتِ أُنشِئَتْ |
|
فَقَتلُ امرئٍ بِالسَّيفِ فِي اللهِ أَفضَلُ |
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ٦٧ . البداية والنهاية : ٨ : ١٦٩ .
(٢) تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٢٩٠ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٧٦ . البداية والنهاية : ٨ : ١٦٨ . الصواعق المحرقة : ١٩٦ .