وغادر الإمام الحسين عليهالسلام مكّة ولم يمكث فيها ، فقد علم أنّ الطاغية يزيد قد دسّ عصابة من الارهابيّين لاغتياله ، وإن كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، فخاف أن يراق دمه في البيت الحرام ، وفي الشهر الحرام .
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ سفيره مسلم بن عقيل قد كتب إليه يحثّه على القدوم إلى الكوفة ، وأنّ أهلها يترقّبون قدومه ، ويفدونه بأرواحهم ودمائهم ، ويقدّمون له الدعم الكامل لتشكيل حكومة علويّة في بلادهم .
وسار الإمام مع عائلته تحفّ بها الكوكبة المشرقة من شباب أهل البيت عليهمالسلام الذين يمثّلون القوّة والعزم والإباء ، وعلى رأسهم سيّدنا أبو الفضل عليهالسلام ، فكانت رايته ترفرف على رأس أخيه أبي الأحرار من مكّة المكرّمة إلى أرض الشهادة والفداء كربلاء ، وكان يراقب بدقّة حركة القافلة وسيرها خوفاً على عيال أخيه وأطفاله من أن يصيبهم عناء أو أذى من وعورة الطريق ، وقد تكفّل جميع شؤونهم وما يحتاجون إليه ، وقد وجدوا في رعايته وحنانه من البرّ ما يفوق حدّ الوصف .
وواصل الإمام سيرته الخالدة ، وقد طافت به هواجس مريرة ، فقد أيقن أنّه سيلاقي مصرعه ، ومصارع أهل بيته على أيدي هؤلاء الذين كاتبوه بالقدوم إلى مصرهم ، وقد تشرّف بمقابلته في الطريق الشاعر الكبير الفرزدق همام بن غالب ، فسلّم عليه وحيّاه ، وقال له : بأبي أنت واُمّي يا بن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أعجلك عن الحجّ ؟