منكم أحد فإنّهم قليل وقلّما يبقون ، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم (١) .
وحكت هذه الكلمات ما اتّصف به السادة أصحاب الإمام الحسين عليهالسلام من الصفات البارزة ، فهم فرسان أهل المصر ، وذلك بما يملكونه من الشجاعة ، وقوّة الإرادة ، وأنّهم أهل البصائر ، فلم يندفعوا إلى نصرة الإمام عليهالسلام ، إلّا على بصيرة من أمرهم ، وليسوا كخصومهم الذين تردّوا في الغواية ، وماجوا في الباطل والضلال ، كما أنّهم قوم مستميتون ولا أمل لهم في الحياة .
لقد توفّرت في أصحاب الإمام جميع النزعات الخيّرة ، والصفات الكريمة من الإيمان والوعي والشجاعة وشرف النفس ، ويقول المؤرخّون : إنّ ابن سعد استصوب رأي ابن الحجّاج ، فأوعز إلى قوّاته بترك المبارزة معهم (٢) .
وشنّ عمرو بن الحجّاج هجوماً عامّاً على من تبقّى من أصحاب الإمام ، والتحموا معهم التحاماً رهيباً ، واشتدّ القتال أشدّ ما يكون القتال عنفاً .
وقد استنجد عزرة بن قيس بابن سعد ليمدّه بالرماة والرجال قائلاً : ألا ترىٰ ما تلقىٰ خيلي هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة ؟! ابعث إليهم الرجال والرماة .
وطلب ابن سعد من المنافق شبث بن ربعي القيام بنجدته ، فأبى ، وقال : سبحان الله ، شيخ مضر وأهل المصر عامّة تبعثه في الرماة ، لم تجد لهذا غيري ؟!
ولمّا سمع ذلك ابن سعد منه دعا الحصين بن نمير ، فبعث معه المجفّفة وخمسمائة من الرماة ، فسدّدوا لأصحاب الحسين عليهالسلام السهام ، فأصابوا خيولهم فعقروها ، فصاروا كأنّهم رجّالة ، ولم تزدهم هذه الخسارة إلّا استبسالاً في القتال ،
__________________________
(١) الإرشاد : ٢ : ١٠٣ . أنساب الأشراف : ٣ : ٤٠٠ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٢١ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي : ٢ : ١٥ . المنتظم : ٥ : ٣٣٩ .
(٢) الإرشاد : ٢ : ١٠٣ . أنساب الأشراف : ٣ : ٤٠٠ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٣١ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٩٠ .