الأول : أنه لا شكّ في أن الأنبياء غير المرسلين هم سادات المؤمنين الممتحنين فيعمّهم العنوان ، ويشملهم البيان.
الثاني : أن يراد بالاحتمال المنفيّ عن غير المقرّب والمرسل والممتحن هو الاحتمال الكامل الصادر عن اليقين ، لكن بالنسبة إلى رتبة النبوّة حيث سرّ الرسالة وكمالها ، وبالنسبة إلى رتبة الملكيّة حيث سرّ التقريب وكماله ، وبالنسبة إلى رتبة الإيمان دون رتبة العصمة حيث سرّ الامتحان وكماله. ولا ينافي هذا كون النبيّ غير المرسل يعلم ويحتمل من أمرهم ما لا يحتمله ويعرفه غير المعصوم من المؤمنين الممتحنين. فما يحتمله المؤمن الممتحن إنّما هو بالنسبة إلى غير الممتحن من عامّة المؤمنين ، وكذلك في رتبة الصنفين الأخيرين.
فلا منافاة بين الروايات ، فإنّ نفي الاحتمال عن غير المرسل إنّما هو بنسبة مرتبة النبوّة والرسالة ، لا بالنسبة إلى الإيمان ودرجاته ، ونفيُه عن غير المقرّب إنّما هو بنسبة رتبة الملكيّة خاصّة. والحاصل أن من حديثهم وسيرهم ما لم يخرج إلّا إلى الأنبياء ، فمنه ما لا يحتمله إلّا المرسل منهم ، ومن حديثهم ما اختصّ برتبة الملك ، فمنه ما لا يحتمله منهم إلّا المقرّب ، ومن حديثهم ما خرج للمؤمنين ، فمنه ما لا يحتمله منهم إلّا الممتحن.
الثالث وهو أبعدها عن الظاهر ـ : أنه يحتمل اختصاص الثلاثة الأصناف بهم ، وإرادتهم منها ، ويراد بأمرهم وحديثهم وسرّهم ما اختُصّوا به من العلم الذي لم يكلّف به أحد غيرهم ، ويكون اشتقاق الملَك من الملِك فإنّهم ملاك الدنيا والآخرة وملوكهما.
وأيضاً فمعنى الملكيّة حاصل لهم ، فقد ورد تسمية روح القدس : المختصّ بهم ملكاً ، كما مرّ (١) ، وكمال الملكيّة صادر منهم ، فهم معلّمو الملائكة ، فلا بعد في إطلاق الملك عليهم ، وهم المقرّبون ، واشتقاق النبيّ من الإخبار ؛ فهم المبلّغون عن الله كلّ
__________________
(١) انظر العنوان السابق.