وأدنى ذلك ما يشاهد من حال الأنبياء وأتباعهم مع قلّة عددهم ، وضعف أتباعهم ، وعدم ناصريهم في دولة الجهل مع حرص سلاطين الجور وأتباعهم على إبادتهم عن جدد الأرض ؛ إذ لا ضدّ لهم غيرهم ، ومع ذلك لا تنقطع دعوتهم إلى الله وهدايتهم الخلق وبيان الدليل إلى السبيل وإقامة الحجّة ، ومع ذلك يعيشون في الأرض بين ظهراني أضدادهم ، بل وكثيراً ما يخدمهم أعداؤهم خدمة العبد ، ويهابونهم ويعظّمونهم تعظيم العبد للمولى.
فيكفي في ثبوت نصر الله لهم بقاؤهم على وجه الأرض بين أظهر أضدادهم الجبابرة العتاة داعين إلى الله دالّين عليه بالبرهان والحجّة ، وعلى بطلان عقائد من سواهم وكفرهم ، والحال أنّهم تحت سلطنتهم.
الثالث : (١) أن قوله : ( إن الدولة إنّما تكون لإمام الطائفة ) إن أراد بهذا الحصر أن الدولة تختصّ بالإمام دون المأموم ، فهو واضح الفساد ؛ لوضوح التلازم بين دولة التابع والمتبوع. وإن أراد أنه يجد للرافضة دولة في بعض البلاد ، والدولة يختصّ بها الإمام دون المأموم ، فهو أوضح فساداً ؛ لأنّ دولة المأموم من حيث هو مأموم لازم مساوٍ لدولة الإمام ، وإلّا لم يكن مأموماً ولأنّ دولة الراعي علّة لدولة الرعيّة من حيث هم رعيّة ، فدولتهم دليل دولته ، وبالعكس. فتسليمه وجود اللازم المساوي والمعلول وإنكار الملزوم والعلّة جهل أو عناد. هذا مع أنه منافٍ لحصره الدولة في الإمام.
وإن أراد أنّهم لا دولة لهم ، وإلّا لوجدت دولة إمامهم ؛ لأنّها أوّلاً وبالذات ولهم بالتبعيّة ، فقد أثبت الرافضة بالبرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً دولة إمامهم وأنه سلطان الدنيا والآخرة ، وأن العالم بأسره في قبضته ، وأنه عين الله ويده (٢) وخليفته المطلق ونائبه الخاصّ الخالص وسبيل خلقه طرّاً إليه. ولا ينافي ذلك عدم ظهوره لكلّ عين بحيث تراه وتعرفه بشخصه ، فإنّه المؤيّد بنصر الله المستر بسرّ الله إلى أمدٍ اللهُ أعلم
__________________
(١) في المخطوط : ( السابع ).
(٢) بحار الأنوار ٢٤ : ١٩٩ / ٢٧ ، و ٢٥ : ١٧٤ / ٣٨.