النزاع ، بل دليل كما قد لاح لك من وجوه دلالته ؛ فإنّه يدلّ على أن ولايتهما عليه لازم لُابوّتهما وبنوّته ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. وأُبوّتهما وبنوّته لازمتان لذاتيّهما مدّة الحياة.
فمتى تحقّقتا تحقّقت الولاية الذاتيّة التي مناطها الشفقة الذاتيّة بجهة المصدريّة والبعضيّة ، ما لم يمنع من ظهور فعليّتها مانع. فحال المانع هي بالقوّة القريبة من الفعل في طباع الأُبوّة والبنوّة ، وغريزة لهما بالذات أبداً ، بل إذا تأمّلت وجدت السرّ في تضايف الأُبوّة والبنوّة ، ولاية الأُبوّة على البنوّة وقاهريّتها لها وتابعيّة [ البنوّة للُابوّة (١) ] بحسب طباع ذلك التضايف. فالأب من حيث هو أب أولى إذن بالابن من حيث هو ابن من نفسه.
فمن تأمّل هذا يلوح له وجه لكون النبيّ صلىاللهعليهوآله والوليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؛ لأنّهما [ أبواهم (٢) ] حقيقةً ؛ لأنّهما أبداً مربّيان ومدبّران للعقول والنفوس ، بل وللأبدان. لكن ذلك بالفعل من كلّ وجه ، إنّما هو في اتّباعهما ؛ إذ الكافر قطع كفرُه علاقةَ بنوّته ومحا نورها من نفسه وإن كان تحت قاهريّتهما أبداً كالمؤمن.
لكن انقهار المؤمن على سبيل الاختيار والإيمان والرضا ، والكافر بطريق القسر ؛ لأنه إنّما [ اختار ] الخروج عن طاعتهما والإنكار لأبوّتهما ولنعمة تربيتهما ، ورضي بذلك ؛ ولذلك قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم » (٣) ؛ لأنّ أولويّته بهم بالفعل من كلّ وجه وقد اختارها المؤمنون وسلّموها طوعاً ، بخلاف الكافر فإنّه اختار أن يخرج نفسه عن تلك الأولويّة والتبعيّة بكفره وإدباره عن الحقّ ، فلا تظهر فيه تلك الأولويّة بالفعل في الخارج وظرف الزمان.
وفي ذلك أيضاً من تعظيم المؤمنين وإبعاد الكافرين من تلك الرحمة ما لا يخفى ؛ لأنه خصّ المؤمنين بها فقال : « أولى بالمؤمنين » ولم يقل : أولى بالناس وإن كانوا في
__________________
(١) في المخطوط : ( الأُبوة للبنوة ).
(٢) في المخطوط : ( أبواهما ).
(٣) تفسير العياشي ١ : ١٥ / ٣ ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٤١ / ٩٢.