نظمه ، وله تخوم ، ولتخومه تخوم ، إلى سبعين بطناً ، لا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى غرائبه ، ليس شيء أبعد من عقول الرجال من درك معاني ألفاظه ، ومعرفة مقاصده ، أوّل الآية في معنى ، وآخرها في آخر ، هو نجوم مطبقة على مراتب التكليف وأزمانه ، [ كان (١) ] الكتاب الناطق هو القيّم بالصامت ، الخازن له ، المبيّن لمعانيه لكلّ أحد بحسب قسطه منه بلسان ، وما يناسب عقله وتكليفه ومصلحته وقبوله الهداية بكمال الاختيار ، بطناً فبطناً ، كلّ بحسب درجته من الإيمان ، ورتبته من الوجود والخلق مكلّفون بالعمل بأوامر الكتابين ونواهيهما ، فإنّهما حجّة الحقّ على الخلق ، ومناسبة المكلّفين للناطق أشدّ منها للصامت ، فقبولهم منه أيسر وأخفّ عليهم ، وفهمهم لمعاني خطابه أسهل وهم بلسانه أعرف ، وطبائعهم له أميل ؛ لأنه يخاطب كلّ واحد بلغته ولسانه وصفة عقله ولوازم وجوده ، بل يخاطب كلّ عقل بلسانه ، وكلّ نفس بلسانها ، وكلّ جسم بلسانه ، وكلّ شيء بحسب فطرته ، والخلق إنّما يخاطبهم الكتاب الصامت بلسان من خاطبه الله به أوّلاً وبالذات ، وهو الحافظ له والخازن المبيّن لمعانيه المترجم عنه ، وهو الإمام.
ويكفيك في بيان ذلك ملاحظة صفتي النطق والصمت.
ولو كان المكلّفون يفهمون لسان القرآن ، ويقدرون على أخذ التكاليف واستنباط الحكم والمعارف منه بكمال الاختيار لا بواسطة الناطق السفير به لانتفت فائدة البعث.
وبالجملة ، فما خزن في الكتاب الصامت وأصين فيه وذخر وكنز من نفائس حقائق المعارف الدينيّة والدنيويّة ، والسياستين والرياستين ، والأخلاق والحكم الربانيّة ، أشدّ خفاء وأشقّ دركاً ، وأثقل استخراجاً وتحمّلاً ممّا في نفس الكتاب الناطق ؛ لأنّ القرآن له سبعون بطناً ، وفيه المحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والمجمَل والمبيّن ، والناسخ والمنسوخ ، والظاهر والباطن ، والتنزيل والتأويل ، وهو
__________________
(١) في المخطوط : ( و ) ، وما أثبتناه هو الأوفق ظاهراً ، فإنه جواب ( لما ) المار في قوله : ( أنه لما كان كل واحد من العترة هو كتاب الله الناطق .. ).