مطبق على جميع طبقات العالم كل بحسب قسطه من الوجود والتكليف ؛ الأجناس ، والأنواع ، والأصناف ، والأزمان ، والأصقاع ، والأشخاص ، منه ما قد مضى ومنه ما هو حاضر ، ومنه ما هو آتٍ مستقبل لم يأتِ بعد وهو الغابر ، ولذا قال الله عزّ اسمه ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١).
والإمام مكلّف بأن يبيّن لكلّ شخص وصنف ونوع وجنس وطبقة وأهل كلّ زمان ومكان ما يخصّه منه بلسانه ، وقدر وسعه ، وما يقبله بكمال الاختيار بالبيان واللسان الذي يصلحه ، وتكمل به حجّة الله عليه ، ويقوم به وجوده بما لا يحتمل في حقّه في تلك الحال من تلك الجهة سواه.
فإذن صار أخذ المعارف والحكم والأخلاق والتكاليف من الإمام أخفّ ثقلاً ، وأقلّ خفاءً ، وأيسر تناولاً ، وأظهر بياناً. فصون ذلك واكتنازه وخفاؤه في القرآن ، وثقل استخراجه منه أكبر وأشدّ منها في نفس الإمام الناطق ؛ لأنّ عليه ومنه البيان ، فإذا بيّن كلّف بعد التبيين ، ولا يكلّف الله نفساً الّا وسعها.
فإذن ظهرت المناسبة والحكمة في وصف العترة : بأنّهم الثقل الأصغر ، والكتاب أنه الثقل الأكبر ، بكلّ معنى من المعاني المذكورة للثقل.
الثالث : اعلم أن القرآن العظيم صفة عقل العترة ، فهو عقل.
فمن حيث إن معناه عقلهم هو ثقل أثقل وأعظم من أجسامهم ؛ لأنّ عقل كلّ شخص أثقل وأعظم من جسمه بكلّ معنى ، لكن العاقل أشرف وأفضل من عقله ، فلا منافاة بين كونهم أفضل من القرآن وكون القرآن ثقلاً أثقل من أجسامهم وإن كانت أجسامهم ثقلاً ؛ لأنّ نفس المؤمنين خلقت من فاضل طينة أجسامهم ، فأجسامهم ثقل بكلّ معنى من معانيه.
ومن حيث إنه قرآن متلوّ ، والإمام هو الخازن المبيّن التالي له وإنه خُلُقهم وصفة نفوسهم ، هم أكبر وأفضل.
__________________
(١) آل عمران : ٧.