المعوّج نفسه عليه ليقيه فجرح أبو سعد أيضا ، وجعل النّفر يجولون في الناس وبأيديهم السكاكين فمن تقرّب إليهم جرحوه فلم يقدم عليهم أحد ، فجرّد أبو الفضل الملقب كمال الدين ابن الوزير سيفه وطلب النّفر فقتل منهم اثنين وهرب واحد وتعلّق بجدار بستان هناك فقتل ، وأحرقوا جميعا في الوقت. وحمل الوزير وفيه رمق إلى دار صاحب له قريبة من الموضع فمات بها عشية هذا اليوم ، وغسّل يوم الأربعاء سادسه ، وحمل إلى جامع المنصور فصلّى عليه هناك جمع كبير ودفن بتربة لهم محاذية الجامع المذكور قريبا من أبيه (١).
سمعت أبا القاسم تميم بن أحمد ابن البندنيجي يقول : بلغني أن الوزير ألهم يوم خروجه من داره متوجها إلى الحج قراءة هذه الآية : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠].
ومن عجيب ما يذكر ها هنا من أمر هؤلاء الباطنية الذين قتلوا الوزير ما حدّثني به الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ ابن الجوزي الواعظ قال (٢) : حدثني رجل من أهل قطفتا ـ لم يسمّه الشّيخ ـ قال : دخلت في اليوم الذي قتل فيه الوزير قبل قتله بساعة مسجدا بقطفتا فرأيت فيه ثلاثة نفر فنام أحدهم معترضا إلى القبلة وقام الآخران فصفّا عليه وصلّيا عليه صلاة الميّت ، فلما سلّما قام ونام أحد الآخرين الذين صلّيا عليه فصفّ الذي قام مع الآخر وصلّيا عليه صلاة الميّت ، ثم قام ونام الآخر الذي بقي فصفّ الآخران عليه وصلّيا عليه ، فتعجبت منهم ، وخرجوا وخرجت من غير أن أكلّمهم ولا كلّموني ، فلما قتل الوزير وقتل قتلته تأمّلتهم فإذا هم النّفر الذين رأيتهم في المسجد فعلوا ما فعلوا.
__________________
(١) ذكرت هذه الحادثة معظم الكتب التي ترجمت له ، وذكرها الذهبي مفصلة في حوادث سنة ٥٧٣ من تاريخه ١٢ / ٤٦٦.
(٢) لم يذكر أبو الفرج ابن الجوزي هذه الحادثة في المنتظم وذكرها سبطه في المرآة ٨ / ٢٢١.