وترعرعت وتعلّمت ، فشببت واكتهلت وشخت ، وبها الأحباب الذين قضى بعضهم نحبه ، ومنهم من ينتظر ، هاجرت عنها ببعض أهلي وولدي بعد استيلاء العدوّ المخذول عليها ، لائذا بحمى بني هاشم في عمّان البلقاء ، جزاهم الله خير الجزاء ووفّقهم لكلّ مكرمة وخير ، مستذكرا أبياتا قالها الفقيه العالم عبد الوهاب ابن عليّ المالكي حين فارق بغداد ، وهي حبيبة على نفسه :
سلام على بغداد في كل موطن |
|
وحقّ لها مني سلام مضاعف |
فو الله ما فارقتها عن قلى لها |
|
وإني بشطّي جانبيها لعارف |
ولكنّها ضاقت عليّ بأسرها |
|
ولم تكن الأرزاق فيها تساعف |
وكانت كخلّ كنت أهوى دنوّه |
|
وأخلاقه تنأى به وتخالف |
مع أننا كنّا بحمد الله ومنّه قبل مصيبة استلاب الأوطان وتغلّب العدوان في بلهنيّة من العيش وحال جميلة ، على ما كان فينا من خصاصة ؛ بسبب الحصار الذي أريد منه إهلاك الحرث والنّسل ، فمعاناة الخصاصة أحمد ألف مرّة من الارتماء عند ذوي الخساسة من الأعداء الظالمين وأعوانهم العملاء الخاسئين.
والتاريخ يشهد أبدا أن مدينة السلام بغداد سرعان ما تنهض بعد كبوتها ، ما زال أهلها النّجب قد شغلوا بهذا الأمر خواطرهم وأفكارهم ، وجعلوه دأبهم ودينهم وديدنهم وهجّيراهم ومطلبهم الذي لا يعوقه عنهم تقاذف الآمال ، فنسأل الله سبحانه أن ييسر أمرهم وينصرهم على عدوّهم ، فعلامات الخلاص لامعة ، وأماراته ساطعة ، وآياته بعون الله صادعة ، وقد وعد الله عباده الصالحين ، ووعده الحقّ ، بالنّصر المبين ، فقال تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٤٠].
وتراث الأمة من أعظم جوانب إحياء مجدها خطرا وأبقاها على الأيام أثرا ، فهو وجدانها وتجربتها عبر التاريخ على أنحاء شتّى من المعرفة الإنسانية ، في وقت نحن محاويج لمثل هذا ، فقد تداعت علينا الأمم الظالمة كما تداعى الأكلة على قصعتها ، فعقيدة الأمة وتراثها وتاريخها هو المحفّز لانطلاق أبنائها نحو