ورعبوا ، فاصمد لبيضتهم (١) ، وهؤلاء أدلّاء من أصحابي مهرة ، ففرّق جيوشك معهم في جهات البلاد ، واعمد أنت إلى طليطلة حيث معظمهم ، فاشغل القوم عن النظر في أمرهم والاجتماع إلى أولي رأيهم ، ففرّق طارق جيوشه معهم (٢) من إستجة ، فبعث مغيثا الروميّ مولى الوليد بن عبد الملك إلى قرطبة ، وكانت من أعظم مدائنهم ، في سبعمائة فارس ؛ لأنّ المسلمين ركبوا جميعا خيل العجم ، ولم يبق فيهم راجل ، وفضلت عنهم الخيل ، وبعث جيشا آخر إلى مالقة ، وآخر إلى غرناطة مدينة إلبيرة ، وسار هو في معظم الناس إلى كورة جيّان يريد طليطلة ، وقد قيل : إن الذي سار لقرطبة طارق بنفسه ، لا مغيث ، قالوا : فكمنوا بعدوة نهر شقندة في غيضة أرز شامخة ، وأرسلت الأدلاء فأمسكوا راعي غنم فسئل عن قرطبة فقال : رحل عنها عظماء أهلها إلى طليطلة ، وبقي فيها أميرها في أربعمائة فارس من حماتهم مع ضعفاء أهلها ، وسئل عن سورها فأخبر أنه حصين عال فوق أرضها إلّا أنه فيه ثغرة ووصفها لهم ، فلما أجنّهم الليل (٣) أقبلوا نحو المدينة ووطّأ الله لهم أسباب الفتح بأن أرسل السماء برذاذ أخفى دقدقة حوافر الخيل ، وأقبل المسلمون رويدا حتى عبروا نهر قرطبة ليلا ، وقد أغفل حرس المدينة احتراس السور ، فلم يظهروا عليه ضيقا بالذي نالهم من المطر والبرد ، فترجّل القوم حتى عبروا النهر ، وليس بين النهر والسور إلّا مقدار ثلاثين ذراعا أو أقلّ ، وراموا التعلّق بالسور فلم يجدوا متعلّقا ، ورجعوا إلى الراعي في دلالتهم على الثّغرة التي ذكرها ، فأراهم إياها. فإذا بها غير متسهلة التسنّم ، إلّا أنه كانت في أسفلها شجرة تين مكّنت أفنانها من التعلّق ، بها. فصعد رجل من أشدّاء المسلمين في أعلاها ، ونزع مغيث عمامته فناوله طرفها ، وأعان بعض الناس بعضا حتى كثروا على السور ، وركب مغيث ووقف من خارج ، وأمر أصحابه المرتقين للسور بالهجوم على الحرس ، ففعلوا ، وقتلوا نفرا منهم ، وكسروا أقفال الباب ، وفتحوه ، فدخل مغيث ومن معه وملكوا المدينة عنوة ، فصعد (٤) إلى البلاط منزل الملك ومعه أدلّاؤه ، وقد بلغ الملك دخولهم المدينة. فبادر بالفرار عن البلاد (٥) في أصحابه ، وهم زهاء أربعمائة ، وخرج إلى كنيسة بغربيّ المدينة ، وتحصّن بها ، وكان الماء يأتيها تحت الأرض من عين في سفح جبل ، ودافعوا عن أنفسهم. وملك مغيث المدينة وما حولها ، وقال من ذهب إلى أن طارقا لم يحضر فتح قرطبة وأنّ فاتحها مغيث : إنه كتب إلى طارق بالفتح ، وأقام على محاصرة العلج بالكنيسة ثلاثة أشهر ، حتى ضاق من ذلك وطال عليه ، فتقدّم إلى أسود من عبيده اسمه رباح ،
__________________
(١) اصمد لبيضتهم : أي اقصد إلى رئيسهم.
(٢) معهم : ساقطة في ب.
(٣) أجنّهم الليل : سترهم بظلامه.
(٤) في ب ؛ فصمد.
(٥) في ب : البلاط.