وجياد أوصافه متبارية في ميدان المدح ، وزناد رأيه وارية على القدح ، من موجب حقه وجوب الشعائر الخمس ، المرحب لأجل أفقه الشرقيّ بوفادة الشمس ، المجدّد في اليوم حكم ما تقرر بين السلف رحمهم الله بالأمس ، أمير المسلمين بالأندلس عبد الله الغني بالله الغالب به محمد بن يوسف بن إسماعيل بن فرج بن نصر. سلام كريم كما زحفت راية الصبح تقدمها طلائع مبشرات الرياح ، يفاوح أرجه أزاهير (١) الأدواح ، ويحاسن طرر الوجوه الملاح (٢) ، يخصّ أبوّتكم التي رتب العزّ فصولها ، وعضدت نصوص النصر نصولها ، ورحمة الله تعالى وبركاته.
أما بعد حمد الله الذي جعله فاتحة القرآن ، وخاتمة دعاء أهل الجنان ، وشكره على ما أولى من مواهب الإحسان ، حمدا وشكرا يستخدمان من الإنسان ، ملكتي القلب واللسان. والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمد رسوله زهرة كمامة الأكوان ، وسيّد ولد آدم على اختلاف اللغات والألوان ، الذي أذلّ بعزّة الله نفوس أهل الطغيان ، وغطى بدينه الحق على الأديان ، وزويت له الأرض فرأى ملك أمّته يبلغ ما زوي له فكان الخبر وفق العيان ، والرضا عمّن له من الأصحاب والأحباب والأعمام والأخوال والإخوان ، صلاة يجدّدها الجديدان (٣) ، ويمليها الملوان وتتزاحم على تربته المقدّسة مع الأحيان ، ما سجعت طيور البراعة من أعواد اليراعة على الأفنان ، والتفتت عيون المعاني ما بين أجفان البيان ، والدعاء لأبوابكم الشريفة جعل الله تعالى عصمته تقيم بها وظيفتي الحجابة والاستئذان ، وضرب بدعوتها التي هي لذّة الإقامة والأذان على الآذان ، واستخدم بروج الفلك الدوار في أمرها العزيز استخدام الأنصار والأعوان ، حتى يعلم ما في المدافعة عن حماها مخالب السّرحان (٤) ، وفي الإشادة بعدلها كفّتي الميزان ، ويهدي لها من الزهرة كرة الميدان ، ومن الهلال عوض الصولجان ، وأبقى في عواملها ضمير الأمر والشان ، إلى يوم تعنو (٥) وجوه الملوك إلى الملك الديّان ، فإنّا كتبناه إلى تلك الأبواب ، كتب الله لعتبتها النصرة الداخلة ، كما أخجل بمكارمها السحب الباخلة ، وجعل مفارق مناصلها المختضبة من نجيع عداها غير ناصلة ، وقرن بكل سبب عن أضدادها فاصلة ، من دار ملك الإسلام بالأندلس حمراء غرناطة ـ وصل الله سبحانه عادة الدفاع عن أرجائها! وشدّ بأيدي اليقين عرى أملها في الله ورجائها! ـ حيث المصافّ (٦) المعقود ، وثمن النفوس المنقود ، ونار الحرب ذات الوقود ، حيث الأفق قد تردّى بالقتام (٧) وتعمّم ، والسيف قد تجرّد وتيمّم ، وغبار الجهاد يقول : أنا الأمان من دخان
__________________
(١) في ب : زهر.
(٢) الطرر : جمع طرة ، وهي الشعر في مقدمة الرأس.
(٣) الجديدان : الليل والنهار.
(٤) السّرحان : الذئب.
(٥) تعنو : تذلّ وتخضع.
(٦) المصافّ : الأماكن التي تصطف فيها الجيوش.
(٧) القتام : الغبار.