جهنّم ، حيث الإسلام من عدوّه كالشامة من جلد البعير ، والتمرة من أوسق العير ، حيث المصارع تتزاحم الحور على شهدائها ، والأبطال يعلو بالتكبير مسمع ندائها ، حيث الوجوه الضاحكة المستبشرة قد زيّنتها الكلوم بدمائها ، وإنّ هذا القطر الذي مهدت لسياستنا أكوار مطاياه ، وجعلت بيدنا ـ والمنّة لله ـ عياب عطاياه ، قطر مستقلّ بنفسه ، مرب يومه في البرّ على أمسه ، زكيّ المنابت عذب المشارب ، متمّم المآمل مكمّل المآرب ، فاره الحيوان ، معتدل السّحن والألوان ، وسيطة في الأقاليم السبعة ، شاهدة لله بإحكام الصنعة ، أما خيله ففارهة ، وإلى الرّكض شارهة ، وأما سيوفه فلمواطن الغمود كارهة ، وأمّا أسله (١) فمتداركة الخطف ، وأما عوامله فبيّنة الحذف ، وأمّا نباله فمحذورة القذف ، إلّا أنّ الإسلام به في سفط (٢) مع الحيّات ، وذريعة للمنيّات الوحيّات (٣) ، وهدف للنبال ، وأكلة للشّبال ، تطؤهم الغارات المتعاقبة ، وتخيفهم (٤) الحدود المصاقبة ، وتجوس خلالهم العيون المراقبة ، وتريب من أشكال مختطّهم إلّا أن يتفضل الله بحسن العاقبة ، فليس إلّا الصبر ، والضّرب الهبر ، والهمز والنبر ، والمقابلة والجبر ، وقد حال البحر بينهم وبين إخوان ملّتهم ، وأساة علّتهم ، يقومون بهذا الفرض ، عن أهل الأرض ، ويقرضون ملك يوم العرض ، أحسن القرض ، فلو لا بعد المدى ، وغول الرّدى ، ولغط العدا ، وما عدا ممّا بدا ، لسمعتم تكبير الحملات ، وزئير تلك القلّات ، ودويّ الحوافر ، وصليل السيوف من فوق المغافر ، وصراخ الثّكالى ، وارتفاع الأدعية إلى الله تعالى ، ولو ارتفع هذا (٥) المكان ، وهو للأولياء مثلكم من حيّز الإمكان ، لمقلتم مقل الأسنّة الزّرق ، حالّة من أطراف قصب الرماح محالّ الورق ، وأبصرتم القنا الخطّار قد عاد أخلّة ، والسيوف قد صارت فوق بدور الخوذ أهلّة ، وعقود الشهادة عند قاضي السعادة مستقلّة ، وكان كما تحصره علومكم الشريفة حدق سور الفتح ، وآخر ولاء ذلك المنح (٦) ، عرض على الفاروق فاحتاط ، وأغرى به من بعده فاشتاط ، وسرحت خيال ابن أبي سرح ، في خبر يدعو إلى شرح ، حتى إذا ولد مروان تقلّدوا كرتها التي هوت ، وقضموا (٧) ما أنضجت ورثة الحق وشوت ، ويدهم على الأمر احتوت ، وفازت منه بما نوت ، نفل ولائده الوليد ، وجلب له الطريف والتليد ، وطرقت خيل طارق ، وضاقت عن أخباره المهارق ، وجلّت الفائدة ، وظهر على الذخيرة التي منها المائدة ، ثم استرسل المهبّ ، ونصر الربّ ، ويكثر الطير
__________________
(١) الأسل : الرماح.
(٢) السفط ـ يفتح السين والفاء ـ وعاء من قضبان الشجر ونحوها ، أو وعاء الطيب وأدوات النساء.
(٣) الوحيّات : جمع وحيّة ، والمنية الوحيّة : الموت السريع.
(٤) في ب : وتتحيفهم.
(٥) في ب : قيد.
(٦) في ب : وآخر دلاء ذلك المتح.
(٧) في ب : وخضموا.