والمضريّة ، فأصفقت (١) اليمنية على أمره ؛ لكون الأمر كان ليوسف بن عبد الرحمن الفهري وصاحبه الصّميل ، ورجع بدر مولاه إليه بالخبر ، فأجاز البحر سنة ثمان وثلاثين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور ، ونزل بساحل المنكّب ، وأتاه قوم من أهل إشبيلية فبايعوه. ثم انتقل إلى كورة ريّة فبايعه عاملها عيسى بن مساور ، ثم إلى شذونة فبايعه عتاب بن علقمة اللخميّ. ثم إلى مورور فبايعه ابن الصباح ، ونهد إلى قرطبة فاجتمعت إليه اليمنية. ونمي خبره إلى والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهري ، وكان غازيا بجلّيقية ، فانفضّ عسكره ، ورجع إلى قرطبة ، وأشار عليه وزيره الصّميل بن حاتم بالتلطّف له ، والمكر به ، لكونه صغير السّنّ ، حديث عهد بنعمة ، فلم يتمّ ما أراده. وارتحل عبد الرحمن من المنكّب ، فاحتلّ بمالقة فبايعه جندها ، ثم برندة ، ثم بشريش كذلك ، ثم بإشبيلية ، فتوافت إليه جنود الأمصار ، وتسايلت المضرية إليه ، حتى إذا لم يبق مع يوسف بن عبد الرحمن غير الفهريّة والقيسية لمكان الصّميل منه زحف حينئذ عبد الرحمن الداخل ، وناجزهم الحرب بظاهر قرطبة ، فانكشف يوسف ، ولجأ إلى غرناطة فتحصّن بها ، وأتبعه الأمير عبد الرحمن فنازله. ثم رغب إليه يوسف في الصلح ، فعقد له على أن يسكن قرطبة ، ثم أقفله معه ، ثم نقض يوسف عهده ، وخرج سنة إحدى وأربعين ومائة ، ولحق بطليطلة ، واجتمع إليه زهاء عشرين ألفا من البربر ، وقدّم الأمير عبد الرحمن للقائه عبد الملك بن عمر المرواني ، وكان وفد عليه من المشرق ، وكان أبوه عمر بن مروان بن الحكم في كفالة أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر ، فلمّا دخلت المسوّدة أرض مصر خرج عبد الملك يؤمّ الأندلس في عشرة رجال من قومه مشهورين بالبأس والنجدة ، حتى نزل على عبد الرحمن سنة أربعين ، فعقد له على إشبيلية ، ولابنه عمر بن عبد الملك على مورور. وسار يوسف إليهما ، وخرجا إليه ولقياه ، وتناجز الفريقان ، فكانت الدائرة على يوسف ، وأبعد المفرّ ، واغتاله بعض أصحابه بناحية طليطلة ، واحتزّ رأسه ، وتقدّم به إلى الأمير عبد الرحمن ، فاستقام أمره ، واستقرّ بقرطبة ، وثبت قدمه في الملك ، وبنى المسجد الجامع والقصر بقرطبة ، وأنفق فيه ثمانين ألف دينار ، ومات قبل تمامه. وبنى مساجد ، ووفد عليه جماعة من أهل بيته من المشرق ، وكان يدعو للمنصور ، ثم قطع دعوته ، ومهّد الدولة بالأندلس ، وأثّل بها الملك العظيم لبني مروان والسلطان العزيز ، وجدّد ما طمس لهم بالمشرق من معالم الخلافة وآثارها ، واستلحم الثّوّار عليه على كثرتهم في النّواحي ، وقطع دعوة آل العباس من منابر الأندلس ، وسدّ المذاهب منهم دونها ، وهلك سنة ثنتين وسبعين ومائة ، وكان يعرف بعبد الرحمن الداخل ؛ لأنه أول داخل من ملوك بني مروان إلى الأندلس ، وكان أبو
__________________
(١) أصفقت اليمانية : اجتمعت واتفقت.