عليه أهل جليقية ، وتولّى كبرهم قومس قشتيلة فردلند المذكور ، ومال إلى أردون بن ردمير ، وكان غرسيه بن شانجه حافدا لطوطة ملكة البشكنس ، فامتعضت لحافدها غرسيه ، ووفدت على الناصر سنة سبع وأربعين ملقية بنفسها في عقد السلم لها ولولدها شانجه بن ردمير الملك ، وإعانة حافدها غرسيه بن شانجه على ملكه ، ونصره من عدوّه ، وجاء الملكان معها ، فاحتفل الناصر لقدومهم ، وعقد الصلح لشانجه وأمّه ، وبعث العساكر مع غرسيه ملك جلّيقية فردّ عليه ملكه ، وخلع الجلالقة طاعة أردون إليه ، وبعث إلى الناصر يشكره على فعلته ، وكتب إلى الأمم في النواحي بذلك ، وبما ارتكبه فردلند قومس قشتيلة في نكثه ووثوبه ، ويعيّره بذلك عند الأمم ، ولم يزل الناصر على موالاته وإعانته إلى أن هلك ، ولمّا وصل رسول كلدة ملك الإفرنجة بالشرق ، كما تقدّم ، وصل معه رسول ملك برشلونة وطرّكونة راغبا في الصلح ، فأجابه الناصر ، ووصل بعده رسول صاحب رومة يخطب المودّة فأجيب ؛ انتهى كلام ابن خلدون ببعض اختصار.
ولنفصّل بعض ما أجمله فنقول : ذكر ابن حيّان وغير واحد أنّ ملك الناصر بالأندلس كان في غاية الضخامة ورفعة الشأن ، وهادته الروم ، وازدلفت (١) إليه تطلب مهادنته ومتاحفته بعظيم الذخائر ، ولم تبق أمّة سمعت به من ملوك الروم والإفرنجة والمجوس وسائر الأمم إلّا وفدت عليه خاضعة راغبة ، وانصرفت عنه راضية ، ومن جملتهم صاحب القسطنطينية العظمى ، فإنه هاداه (٢) ، ورغب في موادعته ، وكان وصول أرساله في صفر سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة ، وتقدّم في كلام ابن خلدون أنها ستّ وثلاثون ، فالله أعلم أيّهما أصحّ ، وتأهّب الناصر لورودهم وأمر أن يتلقّوا أعظم تلقّ وأفخمه ، وأحسن قبول وأكرمه ، وأخرج إلى لقائهم ببجاية يحيى بن محمد بن الليث وغيره لخدمة أسباب الطريق ، فلمّا صاروا بأقرب المحلّات من قرطبة خرج إلى لقائهم القوّاد في العدد والعدّة والتعبية ، فتلقّوهم قائدا بعد قائد ، وكمل اختصاصهم بعد ذلك ، بأن أخرج إليهم الفتيين الكبيرين الخصيين ياسرا وتمّاما ، إبلاغا في الاحتفال بهم ، فلقياهم بعد القواد ، فاستبان لهم بخروج الفتيين إليهم بسط الناصر وإكرامه ؛ لأنّ الفتيان حينئذ هم عظماء الدولة ، لأنهم أصحاب الخلوة مع الناصر وحرمه وبيدهم القصر السلطانيّ ، وأنزلوا بمنية وليّ العهد الحكم المنسوبة إلى نصير (٣) بعدوة قرطبة في الرّبض ، ومنعوا من لقاء الخاصّة والعامّة جملة ، ومن ملابسة الناس طرّا ، ورتّب لحجابتهم رجال تخيّروا من الموالي ووجوه الحشم فصيّروا على باب قصر هذه المنية ستة عشر رجلا لأربع دول ، لكل دولة أربع منهم ،
__________________
(١) ازدلفت إليه : تزلفت إليه.
(٢) هاداه : أي أهدى كل منهما شيئا إلى الآخر.
(٣) في ب : نصر.