وفيه أولا ان الكثير من الأصحاب انما قالوا بالمسمى ولم ينقل القول بمقدار الدرهم إلا عن ابن بابويه وابن إدريس و (ثانيا) ان ما ذكره من الحمل جيد لو وجد ما يدل على القول بالدرهم ولم نقف في الباب إلا على رواية زرارة الثانية وقد عرفت اشتمالها على ما ينافي ذلك من قوله «ومقدار طرف الأنملة» وحينئذ فلا بد من حمل قوله فيها «أجزأك مقدار الدرهم» على الفضل والاستحباب وإلا فلو حمل على وجوبه وتعينه لم يكن لقوله بعده «ومقدار طرف الأنملة» معنى بل يلزم اشتمال الخبر على حكمين متناقضين كما لا يخفى. وبه يظهر انه لا دليل للقول المذكور وان المعتمد هو القول المشهور.
وربما يتوهم الاستناد في ذلك إلى ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (١) قال : «سألته عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض». وهذه الرواية في الحقيقة غير دالة على ذلك إذ لا تعرض فيها لذكر الدرهم بوجه وانما غاية ما تدل عليه هو وضع الجبهة كملا وهو مما وقع الاتفاق على عدم وجوبه والأخبار المتقدمة صريحة في خلافه فلا بد من حملها على وجه الفضل والاستحباب كما صرح به جملة من الأصحاب.
والتحقيق عندي في هذا المقام ان الصدوق (رضياللهعنه) لم يستند في ما ذهب اليه من هذا القول المنقول عنه هنا إلى شيء من هذه الأخبار التي تكلفوها مستندا له ، وانما مستنده في ذلك كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي عرفته في غير مقام إلا انه مع ذلك لا يخلو من الاشكال ، وتفصيل هذا الإجمال هو ان يقال لا ريب ان الصدوق في كتاب الفقيه قد ذكر هذه المسألة في موضعين (أحدهما) في باب (ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه) فإنه نقل في هذا الباب عن أبيه في رسالته اليه قال : وقال أبي في رسالته الي : اسجد على الأرض أو على ما أنبتت ، وساق كلامه إلى ان قال : ويجزئك في
__________________
(١) الوسائل الباب ١٤ من ما يسجد عليه.