وفيه : أن دليل الاستصحاب لا يتضمن ادعاء بقاء اليقين في حال الشك ، بل النهي عن نقض اليقين السابق عملا حاله ، لادعاء أن عدم ترتيب آثار المتيقن حين الشك نقص لليقين السابق عملا ، فالادعاء والتوسع إنما هو في مقتضى اليقين السابق عملا ، لا في نفس اليقين.
نعم ، يتجه ما ذكره قدّس سرّه لو كان التعبير بمفاد الجملة الخبرية المحضة ، بأن قيل : اليقين لا ينتقض بالشك.
الثاني : ما ذكره بعض الأعاظم قدّس سرّه من أن الاستصحاب لما كان من الأصول المحرزة كان حاكما على الأصول الاخرى بملاك حكومة الأمارات عليه ، الذي تقدم التعرض له ، لأنه يقتضي إحراز الأمر المتعبد به ، فيرفع موضوع الأصول الاخرى ـ وهو الشك ـ تعبدا وإن لم يرتفع به حقيقة.
وقد تقدم أن ما ذكره مبني على مسلكه في مؤدى الطرق والأصول ، وفي معنى الحكومة ، وأن الكلام في الأول تقدم في مبحث القطع الموضوعي ، وفي الثاني يأتي في مبحث التعارض إن شاء الله تعالى.
مضافا إلى أن ما ذكره لا ينهض إلا بتقديم الاستصحاب على مثل أصل البراءة مما لا يقتضي التعبد بالمؤدى حيث يكون رافعا لموضوعه دون العكس.
أما تقديمه على مثل قاعدة الحل والطهارة مما يتضمن التعبد بالمؤدى فلا وجه له ، لاشتراكها معه في التعبد بالمؤدى الرافع لموضع الأصل ـ وهو الشك ـ تعبدا ، فكما يصلح لرفع موضوعها تعبدا تصلح لرفع موضوعه كذلك ، ولذا لا إشكال عنده في حكومة السببي على المسببي منه ، بل صرح قدّس سرّه بجواز استصحاب مؤدى الأصول المذكورة ذاتا ، لأن المراد من اليقين في دليل الاستصحاب ما يشمل التعبد الحاصل بها.
وخصوصية الإحراز لا أثر لها بعد فرض كون الموضوع ، ـ وهو اليقين ـ مأخوذا من حيثية البناء العملي المشترك بين الطرق والأصول التعبدية