وكأن الذي أوجب ذلك استحكام انصراف الاستصحاب من العبارة المذكورة عند المتأخرين ، كما تقدم. وإلا فلا يظن به ولا بغيره إنكار ذلك في نظائر المقام ، كما لو قيل : لا تنقض البينة الإقرار ، حيث لا يتوهم أن مقتضاه أن من أقرّ بالاقتراض لا تسمع بينته بالوفاء.
والمتحصل : أن الحديث الشريف لا ينهض بالاستدلال في المقام ، لعدم انطباق المعنى الحقيقي على الاستصحاب ، وعدم القرينة المعينة له من بين المعاني التي يصلح الكلام لبيانها توسعا.
اللهم إلا أن يقال : الوجوه المشار إليها وإن أمكن إرادة كل منها بالقرينة ، إلا أن الترتيب بين اليقين والشك مانع بظاهره من حمل الحديث على قاعدة المقتضي والمانع ، وعدم رفع اليد عن الحجة باللاحجة ، ونحوهما ، لعدم الترتيب فيها بينهما ، لا حقيقة ولا بلحاظ المتعلق ، بل يتردد الأمر بين قاعدة اليقين والاستصحاب ، وحيث يعلم بعدم حجية القاعدة ، لعدم بناء الأصحاب عليها ، إلا في موارد قاعدة الفراغ التي لا يكون المعيار فيها على اليقين ، بل على مضي العمل ، تعين الحمل على الاستصحاب ، الذي يناسبه قوة الظهور في فعلية اليقين حين العمل.
لكن الإنصاف : أن في بلوغ ذلك حدا يوجب الظهور العرفي الصالح للاستدلال إشكالا ، ولا سيما مع عدم أخذ الترتيب في الكبرى المعلل بها ، بل في موردها ـ وهو الحكم المعلل ـ فإن الترتيب في مورد القاعدتين الاخريين غير عزيز ، وإن لم يكن لازما لهما ولا دخيلا في كبراهما.
وخصوصا مع ما أشرنا إليه من ورود المضمون المذكور وما يشبهه في صحيحة زرارة الثالثة ، وصحيح ابن الحجاج الذي يصعب حملهما على الاستصحاب.
هذا ، وربما يدعى في المقام أن عدم القرينة على تعيين شيء من هذه