مجالان ، يتحرك في أحدهما مع الفكر ، وفي الثاني مع خطوات العمل ، كما هي طريقة التفكير الفلسفي الذي يبعد جانب الفكر عن جانب العمل ، بل يدعو إلى الارتباط العملي بالله من موقع العبادة بطريقة إيحائية تترك انطباعا في النفس بأن قضية الإيمان بالله ليست من القضايا الفكرية التي يدخل الإنسان معها في مجال المناقشة التي تحتمل الرفض والقبول ، بل هي من قضايا الوجدان الذي يوحي بالفكرة من خلال الإحساس الداخلي النابع من مواجهة الكون الذي يحيط بالإنسان في كل مظاهره ، حتى يجد الله متمثلا في عمق ذلك كله ، في اللفتة والنظرة والشعور ، حيث ينتقل من جوّ الملاحظة العفوية إلى جوّ العبادة من دون تردد أو توقف.
٢ ـ إنّ الآية توحي بأنّ الدعوة إلى الإيمان بالله وإلى عبادته ، ليست خاضعة لموقف فكري بعيد عن حياة الإنسان وشعوره ، ككثير من القضايا الفكرية التي ترتبط بها وتنسجم معها باعتبارها حقيقة من حقائق الحياة التي تفرض نفسها عليه ، من دون أن يكون لها ارتباط به من ناحية شعورية ، بل هي خاضعة لإحساس الإنسان بوجوده ووجود الناس الذين من قبله ، ومرتبطة بحركة حياته ، وهو يتنقل في الأرض ليعيش قضايا الحياة ، أو يتطلع إلى السماء التي تمنحه الشعور بالعظمة ، وتنزل عليه بركاتها التي تحوّل الأرض إلى خصب يعطي الرزق الذي يفسح للإنسان مجال الامتداد في هذه الحياة.
وبذلك يستوحي الإنسان في عبادته لله العظمة المحيطة به في كل مظاهر الحياة ، والنعمة المتفجرة من الأرض ، والمنهمرة من السماء ، لتعطيه الخير والبركة والرخاء ، مما يبعد العبادة عن الخضوع الأبله الساذج ، ويربطها بالخشوع الذي يمتزج فيه الشعور بالعظمة ، بالإحساس بالنعمة ، التي يحتاج معها إلى الاعتراف بالجميل ، ويجعل من علاقة الإنسان بالله شيئا يتصل بمشاعره الحميمة لا بأفكاره المجردة ، وهذا ما يحقق للإنسان معنى التقوى الذي اعتبرته الآية غاية للعبادة ، لأنه يمثّل الانضباط العملي على خط الله ، من