خلال الإحساس العميق به ، في موقف نفسيّ داخلي يتجسّد فيه الإيمان المسؤول بالجانب العملي في الحياة.
وهذا هو ما ينبغي للعالمين في سبيل الدعوة إلى الله أن يسلكوه في أساليبهم العملية في الدعوة ، أي عليهم استيحاء الجو القرآني الذي يتحرك فيه الأسلوب بعيدا عن الأجواء الفلسفية المجردة التي قد تعطي فكرا قويا ، ولكنها لا تمنح الإنسان حركة الإيمان في داخل النفس ، وفي أعماق الحياة.
٣ ـ لقد جاء في الآية التعبير عن الأرض بأنها فراش ، وعن السماء بأنها بناء ، وهما استعارتان ، أريد بهما التدليل على معنى دقيق ، فقد جاءت كلمة فراش لتعبر عن الراحة التي يحس بها الإنسان في وجوده على هذه الأرض بما أودعه الله فيها من قوانين الحياة ، تماما كالراحة التي يشعر فيها الإنسان بالإغفاءة الهانئة على الفراش الوثير بعد تعب يوم مكدود. وقد جاءت كلمة بناء للإيحاء بالتماسك والقوة التي تمنع من السقوط على الرغم من أنها لا تعتمد على قواعد ثابتة في الأرض.
٤ ـ إنّ التطلّع إلى الأرض في ما تمنحه للإنسان من الراحة بفعل القوانين الطبيعية المودعة فيها ، وإلى السماء في تماسكها وفي خيراتها التي تغدقها على الإنسان ، وفي ما توحيه من عظمة الخالق من خلال سر عظمة الخلق ، إن ذلك كله يدفعنا إلى رفض الأنداد والشركاء لله ، عند ما نحصل على القناعة الثابتة التي تؤكد لنا ـ بما لا يقبل الشك ـ أن الله هو وحده صانع ذلك كله ، لأنه ـ وحده ـ القادر على ذلك كله.
٥ ـ ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أن التقوى هي الغاية للخلق ، فيكون المعنى أن الغاية من خلق الإنسان هي الوصول به إلى التقوى ، ولكن التأمل في الآية يؤدي بنا إلى أنها غاية للعبادة ، لجهتين ، الأولى : أن الكلام قد سيق للأمر بالعبادة فهي الأصل في الكلام ، أمّا