وإذا كنّا نؤكّد على أصالة القرآن المنفتح على السّنة الثابتة بالحجة التي لا تقبل الشك ، فإنّ علينا أن نعتبر عناوينه في الجانب التشريعي هي الأساس في وعي السّنة في عناوينها التي تمثّل التفصيل للعناوين القرآنية لتكون هي الأساس في حركة التشريع في الدراسة الفقهية ، وليس العكس ، لأنّ السّنة لا تغيّر عنوان الحكم القرآني إلى عنوان آخر ، بل تعمل على تفصيله وتوضيحه بما يرفع غموضه وإجماله إن كان فيه إجمال وغموض.
ويبقى هنا نقطة لا بدّ من الإشارة إليها ، وهي أنّ مسألة التفسير تبقى تخضع لثقافة المفسر في وعيه للقضايا التي تحدّث بها القرآن ، وللتشريعات التي عالجها ، والإشكالات التي أثارها الآخرون في حركة الصراع بين الكفر والإيمان ، مما واجه القرآن به المسألة على صعيد تقديم الحلول لها فكراً ومنهجاً.
وقد حاولت في هذا التفسير أن أعيش القرآن في عقلي وقلبي وحياتي ، في فهم آياته ، واستيحاء أفكاره ، وتحريكه في كلّ مسيرتنا الإسلامية الصاعدة إلى كلّ الآفاق الباحثة عن الله في كلّ مواقع عظمته ، وامتدادات نعمه ، وأسرار أحكامه ، وفي الخطّ المستقيم المنفتح على كلّ حركة السعادة في الإنسان.
ورأيت أنّ من الضروري ، استحياء القرآن في ذلك كلّه على مستوى النظرية والتطبيق ، لنستهدي به في متاهات الواقع ، ونستضيء به في ظلمات الطريق ، ونطلّ به على المستقبل في كلّ قضاياه ، لنشعر بأنّ القرآن يعالج لنا كلّ أوضاعنا الحياتية ، فنكون قرآنيين في أفكارنا وحركاتنا ، تماماً كما كان المسلمون السابقون ، الذين كان القرآن يتحرك معهم ، فيطلّ على مشكلاتهم الصعبة ، ليقدم لهم الحلول الصحيحة التي تبعث فيهم السكينة والثبات ، وإذا كنّا نعرف أنّ معالجات القرآن في الماضي انطلقت من خلال سنن الله في الكون والإنسان لا من خلال خصوصية في الزمان والمكان والأشخاص ،