في كل حركته وحيويته بالعبودية لله ، فقد ركب فيه العناصر التي تصرخ في ذاتها بوحدانيته وتشهد بربوبيته ، وهذا ما نطلق عليه الميثاق الوجودي ، ومن خلال الالتزامات التفصيلية في مسئولياته مع الناس ، ومع الحياة العامة والخاصة ، التي تنطلق طاقاته لتمثّل الالتزام الواقعي بانفتاحه على الآخرين ، وعلى مفردات الواقع التي هي بحاجة إليه ، وهذا ما يعني بالدرجة الأولى إعطاء العهد من نفسه على أن يكون الإنسان المسؤول عن كل شيء يتكامل معه أو يحتاج إليه.
وهكذا نجد أن الله يطالب عباده بقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) [البقرة: ٤٠] فهناك عهد بين الله وبين عباده بأن يوحّدوه ولا يشركوا به شيئا وأن يطيعوه ولا يعصوه ، وأن يستقيموا على خطه وشريعته التي تمثل الاستقامة على خط توحيده ، ليرعاهم ويرزقهم ويرحمهم ويمنحهم ثوابه وجنته ، وهذا ما نتمثله في قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس : ٦٠ ـ ٦١]. وقال تعالى : (وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) [الأحزاب : ١٥] وقال تعالى : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) [الأنعام : ١٥٢] وقال : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) [الرعد : ٢٠] فدعا إلى الوفاء بعهده في شمولية الالتزام بخط العبودية المنطلق مع التوحيد في كل خطوات الإنسان وتطلّعاته في الحياة. وتحدث عن الذين (يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) [البقرة : ٢٧] وعن الذين (أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) [البقرة : ١٠٠].
وتحدث عن نفسه أنه الإله الذي لا يفي أحد بعهوده كما يفي بعهده : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) [التوبة : ١١١] وقال تعالى : (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) [البقرة : ٨٠].