ولا كرامة ، حيث علمه الله سبحانه أسماء ولم يعلمهم ، ولو علّمهم إياها لكانوا مثل آدم أو أشرف منه ، ولم يكن في ذلك ما يقنعهم أو يبطل حجتهم ، وأيّ حجة تتم في أن يعلّم الله تعالى رجلا علم اللغة ثم يباهي به ويتم الحجة على ملائكة مكرمين (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧] بأن هذا خليفتي وقابل لكرامتي دونكم؟ ويقول تعالى : أنبئوني باللغات التي سوف يضعها الآدميون بينهم للإفهام والتفهيم إن كنتم صادقين في دعواكم أو مسألتكم خلافتي ، على أن كمال اللغة هو المعرفة بمقاصد القلوب ، والملائكة لا تحتاج فيها إلى التكلم ، وإنما تتلقى المقاصد من غير واسطة.
ويتابع الحديث فيقول : فقد ظهر مما مرّ أن العلم بأسماء هؤلاء المسمّيات يجب أن يكون بحيث يكشف عن حقائقهم ، وأعيان وجوداتهم ، دون مجرد ما يتكلفه الوضع اللغوي من إعطاء المفهوم ، فهؤلاء المسميات المعلومة حقائق خارجية ووجودات عينية ، وهي مع ذلك مستورة تحت ستر الغيب ؛ غيب السموات والأرض ، والعلم بها على ما هي عليه كان أولا ميسورا ممكنا لموجود أرضي لا ملك سماوي ، وثانيا دخيلا في الخلافة الإلهية (١).
ونلاحظ على هذا الرأي أنّ من المعلوم أن المسألة بين آدم والملائكة ليست مسألة لغوية ، بل هي مسألة المسميات في خصائصها وحقائقها ، كما أن قضية تعليم الله إياه وعدم تعليمهم لا يجعل لآدم ميزة عليهم ، في ما لو كانت المسألة تعليم الأسماء. هذا ليس واردا في هذه المسألة ، لأن المطلوب هو أن الله أعطى هذا المخلوق علما يملك به إدارة مسئولياته ولم يعط الملائكة ذلك ، تبعا لحكمة الله في توزيع مواهبه على عباده بحسب حاجاتهم العامة
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١ ، ص : ١١٨ ـ ١١٩.