يريد أن يشرك أحدا في السجود له وإن كان ذلك بأمر من الله ، فهو مستعد لتقبل عذاب الله في سبيل الإخلاص لمحبته له وإيمانه به. ولكن القضية التي حاولوا تبيانها ، لا ترتكز على أيّ أساس منطقي أو ديني ، لأمرين :
الأول : إن فكرة إبليس كموجود حي ليست من الأفكار التي تخضع للحس لتدخل في نطاق التجربة لنملك أمر التصرف في تفاصيلها من خلال تجاربنا الذاتية ، بل هي من الغيب الذي عرّفنا الله إياه ، في ما عرّفه لأنبيائه من أمور الغيب. وفي هذا الإطار ، لا بد لنا من أن نأخذ ملامحها وتفاصيلها من النصوص الدينية في ما أوحاه الله من الكتب السماوية ، وقد رأينا في هذه الآية ـ التي نحن بصددها ـ أن امتناع إبليس عن السجود لآدم كان بفعل الكبرياء ، لا بفعل التوحيد والمحبة لله ، وسنجد في شخصيته في ما يأتي من حديث إبليس في القرآن ـ صفة الحاقد الذي يدفعه حقده إلى أن يمارس كل ما يستطيع من الأعمال الشريرة في سبيل تحطيم هذا الكائن في ذاته وفي ذريته كسبيل من سبل التنفيس عن حقده المكبوت في أعماقه ، ولذا فإنه يطلب الخلود من أجل تحقيق هذه الغاية الشريرة في نفسه.
وإذا كانت الصورة القرآنية هي هذه ، فمن أين تأتي لنا صورة الموحّد لله الفاني في ذاته الذي يريد أن يحرق نفسه من أجل الاحتفاظ بصفاء حبه وإيمانه؟!
إننا لا نستطيع أن نضع ذلك إلا في أجواء الخيالات الشعرية التي تعيش في آفاق الشعراء الحالمين الذين يحاولون أن يمنحوا جو المأساة للمجرمين انطلاقا من الاستغراق الذاتي في مشاعر المجرم أمام مصيره ، بعيدا عن دوافع الجريمة ونتائجها الشريرة في تأثيرها على البلاد والعباد ، تماما كالكثيرين الذين يشجبون قانون القصاص للقاتل على أساس المشاعر العاطفية الساذجة بعيدا عن التخطيط الواعي للتشريع في حياة الإنسان.