وقد نجد في بعض الأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهالسلام بعضا من الملامح التفصيلية للصورة ، ولكن في اتجاه آخر.
فقد ورد في البحار عن قصص الأنبياء ، عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام قال : أمر إبليس بالسجود لآدم فقال : يا رب وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها ، قال الله جلّ جلاله : إني أحب أن أطاع من حيث أريد (١).
فقد نلمح في هذا الحديث بعضا من ملامح الفكرة التي نقلناها ، ولكنها لا تسير في الاتجاه الذي يحاوله هذا البعض ، بل تسير في جو المساومة الساذج الذي يريد إبليس من خلالها أن يرضي كبرياءه بالامتناع عن السجود لآدم ، وذلك بالطلب إلى الله أن يقبل تعويضا عنه بعبادة لم يعبده مثلها أحد. ولكن الجواب يضع القضية في إطارها الصحيح ، لأن موضوع عبادة الله ليس عملية شكلية تتمثل في أوضاع معينة من أعمال الإنسان ، بل هي الخضوع له في كل ما يريده بالطريقة التي يريدها بعيدا عن كل نوازع النفس ودوافعها الذاتية. ولعل من أوضح مظاهر ذلك أن يكبت الإنسان رغباته الشخصية أمام إرادة الله.
الأمر الثاني : إن قضية السجود لا تمثل شكلا من أشكال عبادة آدم ليتعارض مع الإيمان بالله وتوحيد عبادته ، وكيف يأمر الله عباده بالإشراك به ، وهو الذي (لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، ولكنها تحية وتكرمة لآدم من جهة ، كما حدث من يعقوب وأهله عند مقابلته لولده يوسف في ما حدثنا الله عنه في قوله تعالى : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) [يوسف : ١٠٠] ، وهي من جهة أخرى طاعة لله في امتثال أوامره ، وفي تعظيم خلقه ، كمظهر من مظاهر عظمته.
__________________
(١) البحار ، م : ١ ، ج : ٢ ، ص : ٥٠٩ ، باب : ٣٢ ، رواية : ٥.