الأولى : إنّ الآية لا تتجمد في النقطة التي انطلقت منها ونزلت فيها ، لأنّ أسباب النزول لا تمثل إلّا المنطلق الذي تحركت الفكرة من خلاله بعيدا عن كلّ ما يحددها ويقيدها في دائرته ، ولذلك عاشت الآيات الكريمة لتتسع وتمتد مع الزمان والمكان في كلّ مجال يتسع للفكرة وللمفهوم من خلال المنوذج الأول ، فكان من جراء ذلك أن أصبحت الآيات تعيش معنا صراعنا مع الكفر والشرك والظلم والطغيان تماما كما كانت تعيش مع نماذجها الأولى صدقا والتزاما وإرادة حرة تتحدى الواقع المنحرف بكلّ ما تملكه من خطوات الحرية في الفكر والعمل. وهذا هو ما وردت فيه الكلمات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهالسلام : إنّ القرآن « يجري كما تجري الشمس والقمر » (١).
النقطة الثانية : إنّ الآيات قد تتحرك في نطاق مضمون فكري معيّن ولكنّها توحي لنا بشكل آخر ، باعتبار علاقة المعنى الذي تتضمنه الآية بالمعنى الآخر من حيث طبيعة النتائج العملية ومن حيث وحدة المسار ، وهذا هو ما عبّرت عنه بعض الأحاديث المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام : بالتأويل ، الذي لا يقصد فيه إعطاء اللفظ مدلولاً ثانياً غير المدلول الذي يظهر فيه بحسب وضعه اللغوي ، بل يقصد استيحاء المعنى الحقيقي ومن أجل الإيحاء بمعنى آخر ، وذلك كما ورد في قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢].
فقد ورد في كتاب الكافي بإسناده عن فضيل بن يسار قال : « قلت لأبي جعفر محمّد الباقر عليهالسلام قول الله عزوجل في كتابه : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)؟ قال : من حرق أو غرق ، قلت : فمن أخرجها من ضلال إلى هدى؟ قال : ذاك تأويلها الأعظم » (٢).
__________________
(١) البحار ، م : ٨ ، ج : ٢٣ ، ص : ٧٤٦ ، باب : ١٠ ، رواية : ٢٧.
(٢) محمد بن يعقوب ، الكافي ، ج : ٢ ، ص : ٢١٠ ، رواية : ٢.