الثالث : التوفيق الذي يختص به من اهتدى وهو المعنيّ بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) [محمد : ١٧] وقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) [التغابن : ١١] وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) [يونس : ٩] وقوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩](وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦](فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ٢١٣] ، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [البقرة : ٢١٣].
الرابع : الهداية في الآخرة إلى الجنة المعنيّ بقوله : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [محمد : ٥] ، (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) إلى قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) [الأعراف : ٤٣](١).
الصراط : الطريق ، وهو ما يتوصل بالسير فيه إلى المقصود ، وقد يكون غير حسي ، فيقال: الاحتياط طريق النجاة ، وإطاعة الله طريق الجنة. وإطلاقه على الطريق غير الحسيّ إما لعموم المعنى اللغوي ، وإما من باب التشبيه والاستعارة (٢).
وفي هذه الآية دعاء إلى الله ، يرفعه الإنسان المؤمن إلى ربه ليدلّه إلى الطريق المستقيم الذي يؤدّي به إلى رضوانه في مواقع النعيم المنفتح على جنته.
ولعلّ من الواضح أن الهداية بالمعنى التكويني من لوازم وجوده ، في ما منحه الله من عقل وحسّ وقدرة ، كما أن الهداية ، في مضمونها الرسالي ، في ما أرسل الله به الرسل من رسالاته في ما هي المفاهيم الأساسية للعقيدة والحياة ، هي الحقيقة الرسالية المتحركة في الواقع وفي الوعي ؛ ويبقى للهداية
__________________
(١) الأصفهاني ، الراغب ، معجم مفردات ألفاظ القرآن ، دار الفكر ، ص : ٥٣٦.
(٢) البيان في تفسير القرآن ، ص : ٤٨٥.