مسئوليته ، فيتألّم لألمه ويفرح لفرحه ، ويقوم برعايته في حالات ضعفه ، من موقع الرحمة المتحركة في الذات ، المرفرفة في الروح والشعور.
وهذا هو سرّ الإعجاز في تكوين الإنسان الذي يعيش التنوّع في طبيعة الخصائص الذاتية ، ولكنه يتحرك في اتجاه الوحدة والتكامل من خلال حاجة كل خصوصية إلى الخصوصية الأخرى بحيث تفقد معنى الحياة من دون التكامل معها ، ولذلك فهي تتجه إليها تلقائيا بكل محبّة ورعاية وانجذاب ورحمة تنطلق في حركة الإحساس والممارسة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ويكتشفون من خلال الفكر المتأمّل العميق أسرار خلق الإنسان في تفاعل خصائص الروح وخصائص الجسد ، فينفتح الجسد على الروح في نداء الذات التي لا ترتاح لخصائص الجسد إذا لم تفض عليها الروح بمعانيها الروحية ، وتتحرك الروح في اتجاه الجسد لتكون حركته وخصوصيته أساسيّتين في توليد المشاعر الروحية في أفعال العبادة وأخلاقية الممارسة.
وقد نلاحظ أن الله يريد للناس أن يجعلوا التفكير أساسا لحركة العقيدة في الذات ، في ما يكشف لها من دلائل العظمة في خلق الله ، ممّا يوحي لها بعظمة الله من أقرب طريق ، ويؤكد على الحقيقة الإيمانية في انطلاق الإيمان من حركة العقل في الإنسان ، لا من المشاعر العمياء التي لا تخضع للحجة أو الدليل.
وإذا كان الله قد جعل العلاقة الزوجية مبنيّة على المودة والرحمة في ما هو الانجذاب الذاتي بين الزوجين ، فقد نستوحي من ذلك أنه يريد لهما أن يعملا على إخضاع الحركة الإراديّة في داخل الحياة الزوجية لهذين العنصرين ، فتكون المودة القلبية أساسا روحيا للعلاقة بينهما من خلال ما يحمل أحدهما للآخر من مشاعر الود ، وتكون الرحمة القائمة على أساس دراسة كل منهما