المتوافرة على السطح ، لأنهم لا يملكون الصبر على انتظار النتائج المنطلقة من العمق الذي يحتاج إلى جهد ووقت ليظهر ما في داخله.
أمّا مدخلية الشكر في الموضع ، فتتصل بأن الإنسان الذي يعيش روح الشكر لله ، يعمل على اكتشاف كل نعمه وكل آياته ، ليبادر إلى الانفعال بها والإقبال عليها وتقديم الشكر إلى الله بكل إخلاص وإيمان.
وقد يجعل الله الفلك وسيلة لاختبار الإنسان في مستوى إيمانه ، لأن حالة الاسترخاء والعافية قد تمنعه من اكتشاف العمق الداخلي للعلاقة بالله ، فقد تثور الأمواج في البحر وتتعاظم حتى تهز السفينة بأهلها ، وتأخذهم ذات اليمين وذات الشمال ، فيسقط من يسقط على وجهه ، ويهتز من يهتز بكل جسده ، ويثور الموج من كل مكان ، وينطلق الخوف من كل جهة ، (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) ـ والظلة سحابة تظل ، وأكثر ما يقال في ما يستوخم ويكره ـ فأطبق عليهم الموج كقطع السحاب الملبد ، فلم يعودوا يرون من الأفق أيّ شيء ولم يجدوا أيّ مجال للنجاة ، ولا أيّ شخص ممن اعتادوا الاستعانة به للخلاص ، ذكروا الله ففزعوا إليه و (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) بكل قلوبهم المتجهة إليه ، وكل فطرتهم المؤمنة به واستجاب الله دعاءهم ليضعهم أمام التجربة الإيمانية في صدق التزامهم بالسير على خط الإيمان (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) وهو السالك طريق القصد ، وهو الطريق المستقيم الذي يتجه إلى الله في وحدانيته في حركة العبادة في سلوكه ، وهؤلاء الذين يلتزمون هذا الخط قليلون ، أمّا الباقون ، فهم الذين يبتعدون عن ذكر الله في ما يأخذون به من أسباب اللهو ، وفي ما يستغرقون فيه من عناصر الغفلة ، فيعبدون غير الله ، ويشركون بعبادته غيره. وتلك هي صفة الغادرين الذين يعطون العهد ثم ينقضونه ، ويلتزمون الموقف ثم يخرجون عنه.
(وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) والختار هو الغادر الشديد