أشد تأييدا لهذا الوجه من سابقه (١).
وقد يكون هذان الوجهان أقرب مما ذكره المفسرون ، ولكن الآية لا تزال غامضة من هذه الجهة ، في وجه ارتباط أوّل الآية بآخرها في نطاق هذه الجملة المعترضة ، لا سيما بلحاظ اختلاف أسلوب التكلم عن أسلوب الغيبة في الحديث عن الله ، مما لا يتضح لنا أمره ، فليردّ علمها إلى الله سبحانه.
* * *
نعم الله على بني إسرائيل
(وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يفتح لهم الطريق على رسالات الله التي تؤكد لهم إنسانيتهم المنفتحة على إنسانية الآخرين ، ويدلهم على آفاق الحرية الواسعة التي يتحررون ـ من خلالها ـ من سيطرة الأقوياء المستكبرين ، في داخل نفوسهم وخارجها ، ويوجههم إلى الالتزام بوحدانية الله في مواقع العبادة والعقيدة وحركة المسؤولية ، ويرفع مستواهم الفكري ، في ما يربّي عليه نفوسهم وعقولهم من الأخذ بأسباب العلم ، والتأكيد على تحريك العقل في اكتشاف حقائق الحياة ، (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) من موقع القيادة الإيمانية على خط الرسالة المتحركة بالدعوة الهادية إلى الإيمان بالله والسير على منهاجه (لَمَّا صَبَرُوا) على التحديات الكبيرة التي كانت تتحداهم في وجودهم ، وفي تفاصيل حياتهم وعمق قناعاتهم ، بما كان يثيره الآخرون من الكافرين من شبهات وأضاليل أمامهم ، فكان ردّ فعلهم ، أنهم تحملوا الآلام كلها ، والمعاناة الصعبة القاسية التي أخذت الكثير من أوضاعهم المختلفة في نطاق الذات ، وهكذا صبروا صبر الرساليين المؤمنين ، وأثبتوا بهذا المصير
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٦ ، ص : ٢٧١.