إلغاء القرآن لبعض التشريعات الجاهلية
(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) فلكل رجل قلب واحد ، يتوحد فيه التصور والشعور والانتماء والالتزام ، فلا مجال لأن يجتمع فيه في محل واحد وزمان واحد ومن جهة واحدة ، تصوران أو شعوران متقابلان كالتوحيد والشرك ، أو كحب الله وحب الشيطان ، وحب أوليائه وحب أعدائه ، ولا لالتزامين متباينين ، كالالتزام بشريعة الله والالتزام بشريعة غير الله. ولهذا كانت مسألة طاعة الله. في ما يلتزم به المسلم في خط الإيمان ، لا تتناسب مع طاعة الكافرين والمنافقين ، في ما يرفضه المسلم من خط الكفر والنفاق ، فلا يجتمعان في التزاماته القلبية ، كما لا يلتقيان في ممارساته العملية.
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الفقرة من الآية «توطئه وتمهيدا كالتعليل لما يتلوها من إلغاء أمر الظهار والتبني ، فإن في الظهار جعل الزوجة بمنزلة الأم ، وفي التبني والادّعاء جعل ولد الغير ولدا لنفسه ، والجمع بين الزوجية والأمومة ، وكذا الجمع بين بنوّة الغير وبنوّة نفسه ، جمع بين المتنافيين ولا يجتمعان إلا في قلبين ، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه» (١). والظاهر أن التفسير الأول أقرب إلى الجوّ من هذا التفسير ، والله العالم.
* * *
ما جعل أزواجكم أمهاتكم
(وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) وهذا هو الخط التشريعي الذي واجه به الإسلام العادة الجاهلية السائدة قبل الإسلام في مسألة الظهار ، فقد كان الرجل في الجاهلية يقول لزوجته : أنت عليّ كظهر أمي ، أو ظهرك
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٦ ، ص : ٢٨٠.